زبدة التحقيق في التقليد والتلفيق
عمر محمد جبه جي | Omar Jabahji
23/08/2019 القراءات: 3419
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث هادياً ومعلماً ورحمةً وكافةً للناس أجمعين وبعد :
فهذا بحثٌ جديدٌ من سلسلة المباحث الأصولية المقاصدية ، والتي نهدف من خلالها إلى تأصيل المنهج الأصولي المقاصدي وتعزيزه ونشره ، هذا النهج الذي يمثل روح الشريعة الغراء ، فهو المنهج الوسط بين الغلو والتفريط .
وفي هذا البحث الذين بين أيدينا نتحدث عن موضوعٍ مهمٍ جداً وهو موضوع التقليد والتلفيق ، وموضوع التقليد ثار حوله جدلٌ كبيرٌ جداً في القديم والحديث بين مؤيدٍ ومعارضٍ ، وحلا لبعضهم أن يقسم أهل السنة والجماعة إلى مذهبية و لا مذهبية ، بل أبعد آخرون من هواة التفريق بين المسلمين فذهب إلى أن أتباع المذاهب من الفرق الضالة الخارجة عن أهل السنة والجماعة .
في المقابل ظهر من ينافح عن تقليد المذاهب ويعتبر الخروج عنها من أخطر البدع التي تهدد الشريعة الإسلامية .
وبعيداً عن الضوضاء التي أحدثها هؤلاء أو هؤلاء ارتأيت أن أضع القضية في ميزان علم الأصول ، وأعتمد على آراء الفحول من الأصوليين من كل المذاهب المؤيدة لهذا الموضوع أو المحاربة له ، و أن أعرض آراء كل فريقٍ بموضوعيةٍ ، ثم أقوم بالمقارنة والترجيح العلمي بعيداً عن التعصب لأحدٍ .
أما بالنسبة للتلفيق بين المذاهب الإسلامية فهو موضوعٌ متأخرٌ ، اختلف فيه المتأخرون بين مبيحٍ وحاظرٍ ، والصحيح أن التلفيق جائزٌ بضوابطٍ سنذكرها في هذا البحث .
ومن الكتب المميزة التي ناقشت الموضوع كتاب عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق للعلامة محمد سعيد الباني رحمه الله ، وقد استفدت منه كثيراً في هذا البحث ، كما استفدت من إعلام الموقعين لابن القيم و القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد للشوكاني وهما من خصوم التقليد ، وعلى الجانب الآخر رجعت إلى الكثير من كتب الأصول الأمهات كالمستصفى للغزالي والإحكام للآمدي والبحر المحيط للزركشي وغيرها ، ومن الكتب الحديثة كتاب أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ، وأصول الفقه للعلامة أبو زهرة ، والمهذب من علم أصول الفقه المقارن للدكتور عبد الكريم النملة وغيرها كثيرٌ ، وكلها فصلت القول في التقليد وبينت المحمود منه والمذموم ووضعت الضوابط لكل نوعٍ .
إن المذاهب الإسلامية هي مدارس فقهية لتفسير نصوص الشريعة واستنباط الأحكام منها ، فهي مناهج علمية في الاستنباط والتعرف على الأحكام ، فهي ليست شرعاً جديداً ، ولا شيئاً آخر غير الإسلام ، فالشريعة الإسلامية أكبر و أوسع من أي مذهبٍ ، و الشريعة الإسلامية حجة على كل المذاهب ، وليس أي مذهب حجة عليها فإذا ظهر أن المذهب أخطأ في مسألةٍ معينةٍ وأن الصواب في مذهبٍ آخر وجب التحول في هذه المسألة إلى المذهب الثاني .
كما يجوز لمتبعٍ مذهبٍ معينٍ أن يتبع غيره في بعض المسائل إذ لا شيء يلزمه باتباع جميع اجتهادات المذهب ، على أن يكون ذلك عن دليلٍ .
علينا ألا نضيق ذرعاً أبداً باختلاف المذاهب ، لأن الاختلاف في الفهم والاستنباط أمرٌ بديهيٌ ، بل نعتز بهذا الاختلاف العلمي الفقهي الذي خلف لنا ثروة فقهية عظيمة ، ونعتبره من دلائل نمو الفقه وحياته ، و دليل على سعة أفق علمائنا العظام ، وتفانيهم في خدمة الشريعة الغراء .
كما أن على المقلد أن يطهر نفسه من التعصب الذميم للمذهب ، فليست المذاهب تجزئةً للإسلام ، وليست أدياناً ناسخةً له ، وإنما هي وجوه في تفسير الشريعة وفهمها ، كما أن علينا احترام وتبجيل علماء المذاهب وتنزلهم منازلهم ونتأدب معهم ، وندعو لهم ونعتقد أنهم مأجورون أخطؤوا أم أصابوا .
بحث فكري فقهي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة