مدونة الدكتور عمر محمد جبه جي


الحيل والمخارج في الشريعة الإسلامية

عمر محمد جبه جي | Omar Jabahji


23/08/2019 القراءات: 3680  



الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث هادياً ومعلماً ورحمةً وكافةً للناس أجمعين وبعد :
فهذا بحثٌ جديدٌ من سلسلة المباحث الأصولية المقاصدية ، والتي نهدف من خلالها إلى تأصيل المنهج الأصولي المقاصدي وتعزيزه ونشره ، هذا النهج الذي يمثل روح الشريعة الغراء ، فهو المنهج الوسط بين الغلو والتفريط .
وفي هذا البحث الذين بين أيدينا نتحدث عن موضوع مهمٍ جداً وهو موضوع الحيل والمخارج الشرعية .
والحيل هي : إبراز عملٍ ممنوعٍ شرعًا، في صورة عمـلٍ جائزٍ، وهذه الحيل لم تكن منتشرةً زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا زمن الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين ، بل ورد عن الصحابة التشنيع على الحيل ومحاربتها ، واستمر الوضع كذلك زمن كبار التابعين ، وكذلك بداية عهد صغار التابعين ، ثم ما لبثت أن تفشت بعد ذلك في المجتمع المسلم ، وانتشرت فيه انتشار النار في الهشيم.
والحيل في حياتنا المعاصرة العلمية والعملية والسياسية منتشرةٌ جداً ، ونجدها بكثرةٍ في الفتاوى والمعاملات المالية المعاصرة .
ومن أسباب انتشار هذه الحيل الرغبة في مخالفة القانون والتشريعات و التلاعب بأحكام الشريعة ، أو هضم حق الغير ، أوللالتفاف على الممنوعات ، والتملص من الواجبات .
إن من أهم أسباب ظهور الحيل الجمود الكبير لدى الفقهاء نتيجة إهمالهم للنظر في مقاصد الشريعة ، فأولعوا بالحيل بين مكثرٍ ومقلٍ ، ونتج عن ذلك تحول الفقه الإسلامي نتيجة ضعف النزعة المقاصدية إلى فقهٍ شكليٍ ، يركز على الألفاظ والمباني و يهمل المقاصد والمعاني ، مما أدى إلى شيوع العقود الصورية والإسلام الصوري .
لقد كان موضوع الحيل موضع اهتمام المستشرقين الذين أولوه اهتماماً كبيراً كما قاموا بتضخيمه والتوسع فيه ، و الذي يقصده المستشرقون من هذا الصنيع بيان أن الشريعة مثالية بعيدة عن الواقع ، مما اضطر فقهاء المسلمين للجوء إلى الحيل لتنزيلها إلى الواقع المعاش للناس.
و في مقابل الحيل التي يقصد بها التهرب من التكاليف والتشريعات ، والتلاعب بالدين نشأ ما يسمى بالمخارج الشرعية ، والتي قصد بها تلك الطرق الذكية التي يتخذها الإنسان للتخلص من المحرم ، أو للتوصل إلى الحلال ، وذلك ليدفع ضرر عن نفسه أو يجلب مصلحةً لا تتعارض مع مقاصد الشارع الحكيم .
إنه بقدر ما يجب أن نتجنب الحيل المحرمة والمكروهة يجب أن نستفيد من المخارج الشرعية ، ولكن يجب أن نفحص الحيل فحصاً دقيقاً ولا يكفي أن ننقب عن هذه الحيل في بطون الكتب القديمة ، بل يجب أن نبتكر حيلاً جديدةً يمكن أن تعد في مجالنا الاقتصادي والمصرفي فعلاً من قبيل الهندسة المالية الإسلامية الحديثة.


بحث فكري فقهي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع