السباق نحو الذكاء الاصطناعي وتداعياته على السلم والأمن الدوليين
يونس الأزمي عبد الكريم | el Azami youness abdelkarim
03/04/2021 القراءات: 1790
مرّ النظام الدولي بجملة من التحولات المهمة منذ نشوء الدولة القومية ولغاية اليوم، وحملت في طياتها أحداث وتطورات أثرت بشكل مباشر على مزاج وسلوك الوحدات الدولية من خلال تعاملاتها المتبادلة في هذا النظام، الذي بات يمر بلحظات مهمة وحساسة، وهذه الانتقالات بالتأكيد كانت توجه النظام إلى خلق أجواء جديدة مغايرة للأجواء وطرق التفكير الاستراتيجي للدول بعد أن انتقلت لعصر التكنولوجيا والتحديث الذي بات الموجه من خلال الأجيال المتطورة لها، بالمحصلة أصبح التنظير لهذه الحالات أمراً مسلماً به على اعتبار أنها تدخل في صميم الثقافة الاستراتيجية للدول بعد أن أصبحت للتكنولوجيا والثورة المعلوماتية أثر كبير في كل المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاجتماعية وحتى الثقافية، وما لها من تأثير أيضاً على شعوب العالم من خلال امتلاك المعلومة والتأثير من خلالها على الأمزجة المختلفة سواء كانت دول أو مؤسسات أو أفراد، والحديث عن توازن القوى العالمي في ظل هذه الثورة الهائلة يعطي إشارات عن وجود تفاوت في القوى من حيث الإمكانيات والقدرات التي تمتلكها الدول خصوصاً وإلى جانب القوة العسكرية وما للتكنولوجيا من تأثير على تطور الأسلحة.
اليوم، ينظر المختصون في الشؤون السياسية والاستراتيجية لوجود صراعات جديدة من نوع آخر، صراعات بعيدة عن البنادق والمدافع والدبابات والصواريخ العابرة للقارات التي باتت تكلفتها عالية جداً سواء المادية أو البشرية، اليوم الحديث عن صراع الاقمار الصناعية وشبكات التجسس الالكترونية من خلال الهجوم على شبكات المعلومات للخصم، حتى ذهب البعض للحديث عن حرب من نوع آخر أطلق عليها السيبرانية ( الإلكترونية ) باعتبارها من أدوات الجيل الخامس أو الجيل الرابع المتقدم من الحروب.
فعندما تتعرض الحواسيب أو الشبكات التابعة لدولة ما لهجوم أو اختراق قد يكون مدنيو تلك الدولة عرضة لخطر الحرمان من الاحتياجات الأساسية من خلال استخدام الفضاء الالكتروني للاستخدامات المدنية والعسكرية ، وهذا لا ينحصر على الفاعلين من الدول فقط، بل دخل ساحة الصراع الفاعلون من غير الدول الذين اثبتوا امكانيات كبيرة في التأثير وهذا واضح من خلال الأساليب المتبعة من التنظيمات الارهابية التي تستخدم هذه المساحة الالكترونية لنشر العمليات التي تقوم بها لغرض ترويع وإرهاب المدنيين.
وفي سياق متصل، يتحول العالم بوتيرة متسارعة نحو توظيف الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدولية لينتقل بصدده إلى نوع آخر فيما يعرف بمجتمع "ما بعد المعلومات"؛ حيث تصبح الآلة هي المحرك الأساسي للمجتمع الجديد، وبالتالي دخل مفهوم الذكاء الاصطناعي كأحد مفاهيم العلاقات الدولية؛ ذلك الحقل الذي تتنافس فيه الكيانات الدولية ليكون لها السبق وريادة النظام العالمي، وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "إن من سيقود الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم".
يبدو أن هذا الحقل الجديد بدأت ملامح تشكله بخطوات تنافسية بين الدول الكبرى، والميل أكثر للصراع عن التعاون، لإدراكها بأن الاستحواذ التقني بهذا المجال تعني سيادة العالم. ولأن مجال العلاقات الدولية يشوبه الكثير من التفاعلات الصراعية في أي مجال منذ بدء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، من حيث الاختراق الفضائي، وإنتاج الأسلحة النووية، ومحاولة كل دولة الانفراد في أي مجال جديد يطرأ على الساحة الدولية.
تشكل التهديدات التكنولوجية المتصاعدة العابرة للحدود، وبالتحديد الوسائل السيبرانية والذكاء الاصطناعي (AI)، تحديًا وشيكًا متزايدًا للأمن العالمي، إلا أنه في ظل غياب القواعد والسياسات الضابطة لاستخدام تلك التكنولوجيا في المجال العسكري فستتمثل أهم التداعيات على الأمن العالمي في شيوع حالة من عدم اليقين، وتعدد التهديدات في المجالين المادي الواقعي والافتراضي، هذا بالإضافة إلى إحداث العديد من التحولات في طبيعة وخصائص التهديدات الأمنية، بل وطرح أشكال جديدة من التهديدات على الساحة الأمنية.
أن التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي ستقترن في المدى القريب بانتشارها والتوسع في استخدامها في المجال العسكري؛ سيترتب عليها إحداث العديد من التداعيات الأمنية، والتي ستنعكس بشكل أو بآخر على زعزعة استقرار الأمن العالمي، وإطلاق سباق تسلح جديد، إلا أنه في هذه المرة سيكون لامتلاك الأسلحة المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
يتلاقى الذكاء الاصطناعي (AI) مع مجموعة غير عادية من التقنيات الأخرى، بدءاً من التقنية الحيوية وعلم الجينومات، إلى التقنية العصبية، والروبوتات، والتقنية السيبرانية ونظم التصنيع.
لقد أصبحت هذه التقنيات، على نحو متزايد، لا مركزية، وخارجة عن سيطرة الدولة، ومتاحة لمجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في جميع أنحاء العالم، في حين أن هذه الاتجاهات قد تطلق إمكانات هائلة للبشرية، فإن تقارب الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة يفرض أيضًا مخاطر غير مسبوقة على الأمن العالمي. وبوجه خاص، فإنها تخلق تحديات للنظام المتعدد الأطراف والأمم المتحدة والتي تعمل على مستوى الدول.
أنشأ مركز أبحاث السياسات في جامعة الأمم المتحدة منصة "الذكاء الاصطناعي والحوكمة العالمية" كمنطقة شاملة للباحثين والجهات الفاعلة في مجال السياسات وكذلك قادة الشركات والفكر، لتوقع واستكشاف تحديات السياسة العالمية التي أثارها الذكاء الاصطناعي بناءً على التكليف الممنوح لجامعة الأمم المتحدة (UNU) في استراتيجية الأمين العام بشأن التقنيات الجديدة. تهدف المنصة إلى تعزيز رؤى متعددة التخصصات فريدة من نوعها لتوجيه المناقشات الحالية من منظور تعددية الأطراف إلى جانب الدروس المستفادة من العمل المنجز على أرض الواقع من خلال الطروحات العالمية المقدمة من القادة في هذا المجال.
هناك خطر حقيقي من أن تقوض تلك التقنيات الاستقرار العالمي بدون وجود أشكال تعاونية جماعية للحوكمة.
العلاقات الدولية، الذكاء الاصطناعي، الحروب السيبرانية، الأمن العالمي.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع