مدونة أ. د. مصطفى ناطق صالح مطلوب


اتفاق التحكيم التجاري وعقد التحكيم التجاري المفهوم والمضمون

أ.د. مصطفى ناطق صالح | PROF. DR. MUSTAFA NATIQ SALEH


21/05/2020 القراءات: 4669  



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وبعد:
يعتبر التحكيم التجاري نظاما اصيلا مستقلا وخاصة في حسم المنازعات التجارية المتنوعة التي تقع بين التجار والشركات والمؤسسات المالية المختلفة والتي تمارس عملا تجاريا وفق التشريع.
ان هذا النظام المهم حقق إنجازات نوعية نظرا لما يتمتع به من مزايا أكدت جدارتها في الواقع العملي .
فهو اذ يتمتع بالسرعة في حسم المنازعة والسرية في كافه المعلومات الشخصية للمتنازعين والنزاع و توفر الخبرة والكفاءة في المحكمين فضلا عن قلة تكاليفه وبالتالي يفرض التحكيم نفسه تبعا لضرورات الحياه التجارية والاستثمارية المتجددة والمتنوعة بين فترات قصيره.
وعليه فان لجوء المتنازعين الى نظام التحكيم يحتاج لرضائهم بهذه الوسيلة وقبول ما سينتج من خلاله وهو حكم التحكيم النهائي.
ومن المعلوم ان اللجوء للتحكيم التجاري من خلال ما يطلق عليه (اتفاق التحكيم).
وهذا المصطلح اعلاه اكدت عليه العديد من القواعد القانونية التحكيمية وكذلك الاتفاقيات الدولية كما في القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر من لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية عام 1985 المعدل عام 2006 في المادة (7) والتي جاء فيها: "اتفاق التحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة سواء كان تعاقدية أم غير تعاقدية……".
وكذلك قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 في المادة 10 منه والذي نصت على: "اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الإلتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية".
وكذلك اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية في المادة (2) والتي نصت على : "1-على كل دولة من الدول المتعاقدة أن تعترف بالاتفاقيات المكتوبة التي يوافق الفرقاء فيها على أن يحيلوا إلى التحكيم أية منازعات تكون قد نشأت ( أو التي يمكن أن تنشأ) بينهم ويكون لها مساس بعلاقات قانونية محددة تعاقدية كانت أم غير تعاقدية وذلك فيما يتعلق بأي نزاع يمكن تسويته بطريق التحكيم
2- تشمل عبارة ( الاتفاق المكتوب) الفقرة التحكيمية الواردة في أي عقد ، أو أية اتفاقية للتحكيم موقع عليها من قبل الفرقاء ، أو التي من الممكن استنتاجها من التحارير أو البرقيات المتبادلة بين الفرقاء". بينما قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 فإنه لم يشر لهذا المصطلح بشكل صريح في المادة (251 ) بل اشارت هذه المادة الى جواز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين .
اتفاق التحكيم التجاري اذن هو تراضي الأطراف المتنازعة على اختيار التحكيم التجاري لفض منازعاتهم الحالية و المستقبلية من خلاله ويأخذ هذا الاتفاق صور واشكال متعددة كشرط التحكيم التجاري والذي يتم ادراجه مع العقد الاصلي بين الطرفين كما في عقد الوكالة التجارية بين الوكيل التجاري العراقي والشركة الموكلة اليابانية لغرض فتح وكالة تجارية في العراق لبيع قطع غيار السيارات مثلا ويدرج في عقد الوكالة شرط يتيح اللجوء الى التحكيم التجاري.
أو قد يتم الاتفاق التحكيم بعد حصول المنازعة في النزاع بين الطرفين في مسألة ماء تخص عقد او تفسيره وتنفيذه وبالتالي يتفق الطرفان على اللجوء للتحكيم ويتم ذلك من خلال مشارطة التحكيم والتي تعد شكلا آخر من صور اتفاق التحكيم.
وتعد هاتين الصورتين( الشرط والمشارطة) من أكثر صور اتفاق التحكيم التجاري مع وجود صور أخرى متعددة كما في صورة شرط التحكيم بالإحالة أو تفاق على اللجوء للتحكيم أمام المحكمة المختصة .
إذا نستنتج مما سبق أن اتفاق التحكيم يكون طرفاه أطراف النزاع المتخاصمين فقط ولا وجود لدور المحكم في هذا الاتفاق.
أما عقد التحكيم التجاري فهو تصرف قانوني يتكون من إرادتين مهمتين تتمثل بالإيجاب والقبول من أطرافه فالإيجاب يكون من طرفي النزاع مجتمعين كطرف أول في العقد والقبول يكون من المحكم او المحكمين عند تعددهم و هذا العقد غايته حسم النزاع القائم بين طرفي النزاع وبالتالي يرتب آثارا قانونية تمثل بالتزامات وحقوق على عاتق كل من طرفيه.
وان المحكم التجاري في هذا العقد لابد ان يقبل مهمة التحكيم او يرفضها لغرض فض المنازعة بين اطرافه وهذا ما صرحت به العديد من التشريعات والقوانين التحكيمية المتنوعة كما في المادة (16/3) من قانون التحكيم المصري النافذ حيث جاء فيها "يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة .......".
وهذا ما اشار اليه قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ في المادة (259) حيث جاء فيها "يجب أن يكون قبول المحكم للتحكيم بالكتابة ما لم يكن معينا من قبل المحكمة، ويجوز ان يثبت القبول بتوقيع المحكم على عقد التحكيم ...." .
وبالتالي نلاحظ ان اطراف عقد التحكيم التجاري هما أطراف النزاع من جهة والمحكم واحدا او اكثر من جهة الاخرى.
و يتضح لنا ان اتفاق التحكيم شيء و عقد التحكيم شيء لآخر فاتفاق التحكيم وسيلة للجوء الى التحكيم التجاري لفض المنازعة بين الطرفين المتعاقدين المتخاصمين فقط.
أما عقد التحكيم فهو الغاية التي يريد أن يحصل من خلالها أطراف النزاع على حكم التحكيم النهائي بعد قيام المحكم او هيئة التحكيم التجاري في هذا العقد بأداء مهمة حسم النزاع والحكم بين اطراف النزاع ووفقا للأدلة والاثباتات المقدمة لهيئة التحكيم التجاري.
والحمد لله رب العالمين


اتفاق، التحكيم، عقد، مفهوم، اطراف النزاع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع