الكشف عن سرّ اشتغال الدّماغ وكيفية إنتاجه للمعرفة من منظور اللسانيات العرفانية:
د. روضة جديوي | Dr. Raoudha Djedioui
09/09/2022 القراءات: 2079
الكشف عن سرّ اشتغال الدّماغ وكيفية إنتاجه للمعرفة من منظور اللسانيات العرفانية:
إنّ البحث في قدرات العقل البشري اللّغوي، وفي التّفكير، والإدراك، والتّنسيق، والتّخطيط، ومعالجة المعلومة، والتصوّر- طبيعيًا كان أم اصطناعيًا- هي من صميم اهتمامات النظرية العرفانية. وهي نظريّة تنشد إجابات جديدة عن أسئلة قديمة من قبيل: كيف نفكّر؟ كيف نتمثّل العالم من حولنا؟ كيف نكتسب المعلومات ونخزّنها ونوظفّها؟ ما هو العقل؟ وكيف نعطي لتجربتنا معنى؟ وما هوىالنّظام التصوّري؟ وكيف ينتظم؟ هل يستعمل كلّ البشر النّظام التصوّري نفسه؟ وإن كان الأمر كذلك فما هو هذا النظام؟ وإن لم يكن كذلك، فما هو بالتّحديد ذلك الشّيء المشترك بين بني البشر جميعهم فيما به يفكّرون؟
تلك الأسئلة أضحت محلّ تقاطع علوم مختلفة كاللسانيات والسيبرنيطيقا وعلوم الأعصاب، والفلسفة، وعلوم الدماغ، وعلوم الحاسوب، وعلم النفس، وعلم السلوك، والأنثروبولوجيا. وكلّها علوم كانت تشتغل في البداية الواحد منها معزولًا عن الآخر لاختلافهم في الأصول الأولى، والمناهج والنّظريات والغايات، إلّا أنّ ما جعلها تتّفق وتجتمع معًا هو اشتغالها على الذّهن.
وما جعل هذه المجالات العلميّة تتضافر وتتمازج وتنظوي تحت مسمّى العرفانيّة، هو سعيها الحثيث إلى معرفة سرّ اشتغال الدّماغ، وكيفية إنتاج المعرفة، ومعالجة المعلومات على صورة طبيعية.
فالعرفانية تلتقي مع الفلسفة في إثارة مشكلة المعرفة الإنسانية من حيث فطريّتها واكتسابيّتها، أو من حيث هي مزيج منهما، وفي التّساؤل عن كيفيّة اشتغال الذهن البشري.
وتلتقي مع علم النفس في الاهتمام بسيرورة المعلومات وما تنطوي عليه من سيرورات مختلفة: كالانتباه، والإدراك، والذاكرة، والوعي اللغوي.
كما تلتقي العرفانية باللسانيات في عنايتها بالعلاقة بين الذهن والخبرة التي يكتسبها الإنسان من العالم الفيزيائي والوضع الاجتماعي، وارتباط اللّغة بالخبرة الإنسانيّة عمومًا، باعتبار أنّ النّظام اللغوي ليس نظامًا مستقلّا، بل هو جزء من الإدراك الذي لا يُمَيَّزُ فيه بين ما هو لغوي وما هو غير لغوي. إِذَّاكَ لم تعد اللسانيات العرفانيّة نظريّة منفردة في اللّغة، بل أصبحت مجالًا متعدّدًا في ارتباطها بالعلوم العرفانيّة الأخرى، ومجالًا تحليليّا لتمثيل إدراك المعرفة اللغويّة.
كما اتّجه الدّارسون في هذا الحقل المعرفي إلى اعتبار اللغة مَلَكَة ذهنيّة وعرفانيّة، وأداةً لإنتاج المعرفة والتّصرّف؛ وذلك لارتباط اللغة ارتباطًا وثيقًا بالخبرة الإنسانيّة الناتجة عن التّجربة والمسؤولة عن الكيفيّة التي ندرك بها العالم من حولنا، وكيفيّة صياغة مفاهيمنا المختلفة، فلا مجال هنا للقول باستقلال النظام اللغوي؛ لأنّ المعرفة اللغويّة - كما يراها أصحاب هذا الاتّجاه - جزءٌ لا يتجزّأ من الإدراك العقلي الذي لا يميّز بين المعلومات اللغوية والمعلومات الأخرى الحركيّة والسّمعيّة والبصريّة. وللوصول إلى المعلومات لا ينبغي التّمييز داخلها بين ماهو لغوي وما هو غير لغوي.
العرفانية؛ اللسانيات؛ اللغة؛ الذهن؛ الإدراك.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
موضوع قيّم يجمع بين الجِدَّة والعلمية البحتة في الطرح.