الأمة الإسلامية تحتفل ببداية عام هجري جديد 1444: الهجرة النبوية يوم بداية المجد الحضاري
06/08/2022 القراءات: 1561
في مثل هذا اليوم كانت التحول الحضاري الكبير لفكرة الإسلام، من تحديات وامتحانات المفعول به المحاصر المضطهد إلى مقامات وتجليات الفاعل الصانع للفعل الراسم لاستراتيجيات القيادة والسيادة والريادة، كانت الهجرة إنتقالة تراكمية إستراتيجية مثلت عبورا حقيقيا صعبا شائكا من مستويات صناعة الفرد الكوثر الحامل للمشروع الحضاري تربويا روحيا فكريا تصوريا وعقديا، وبناء الأسرة الحاضنة المشكلة للمجتمع الجديد المنشود وإصلاح وميلاد المجتمع الحضاري القائم على التكافل والتكاتف والتعاون والشورى، إلى بلوغ الفكرة ميدان السياسة والدولة الحامية للفكرة، المحافظة للحقوق، الصانعة لنموذج جديد من القيادة الأخلاقية في سياق قانون دولي يغلب عليه الاستعباد والاستبداد والفساد.
ذكاء الفاروق رضي الله عنه وفطنته جعلتاه يتخذ من هذا اليوم المحوري نقطة البدأ للتأريخ لحضارة عالمية جديدة، حققت المبتغى الحضاري في نقل الناس من الاستعباد لعبادة رب العباد، ومن الظلم والجور الى العدل والرحمة، من الضيق والضيم الى السعة والبركة والخير، حضارة جديدة غيرت الانسان في تركيبته النفسية ومنظومته الفكرية الأخلاقية وأسلوب حياته الخارجي، وأعادت الربط الواجب بين الأرض والسماء بما يحفظ الحرية والإرادة في اطار الصيرورة التاريخية المحكومة بسنن الله الحاكمة المؤيدة المسددة المؤطرة الموجهة للفعل الإنساني الخلافي المترقي نحو الله.
يوم تعلمنا فيه أن الإسلام هو دين ودولة، مجتمع وقيادة، صحوة ونهضة، دعوة وسياسة، تربية وتنمية، إصلاح وحضارة، تعلمنا أن العبور من المجتمع إلى الدولة ضرورة تاريخية للفكرة الإسلامية الطامحة للإمامة والتمكين والاستخلاف وأن الإمامة والدولة وحدها أداة النهضة والقيادة وأنها وسيلة التدافع مع الباطل المنظم الفاعل وآلية فاعلة لحماية الحق ووسيلة تحقيق التنمية والنهضة والتحرير، لكل ذلك استحق أن يكون تاريخ ميلاد الدولة النبوية الفتية الحدث الحقيقي لميلاد الإسلام وبداية تاريخه وكذلك ستكون البداية الحقيقية بانتقال القوى المجتمعية الصالحة الصادقة نحو الدولة لتمارس ادوارها الحضارية نهضة ووحدة وتحرير وخلافة وحضارة!.
واحتفل أمس السبت 01 محرم 1444 المسلمون في جميع بقاع الأرض بهذه المناسبة الدينية التي توافق ذكرى هجرة رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي تم اتخاذها بداية للتقويم الهجري حسابيا.
والتقويم الهجري هو أحد التقاويم التي اتخذتها الشعوب، والتي تختلف في خصائصها الدقيقة عن بعضها البعض إلا أنه يمكن إجمالها في نوعين رئيسيين أحدهما شمسي أساسه دوران الأرض حول الشمس، والآخر قمري وأساسه دوران القمر حول الأرض، وثالث مختلط يجمع بين التقويميين الشمسي والقمري.
ويعتمد التقويم الهجري على رؤية الأهلة ومتابعة ورصد حركة النجوم الثابتة المستقرة في حركتها مثل الشمس والكواكب والأقمار، ومن خلال هذه المتابعة ورصد حركة هذه الأجرام وحساباتها، وقد تم تقسيم السنة الهجرية إلى 12 شهرا يحتوي كل منها على 29 أو 30 يوما وفقا لدورة القمر الشهرية حول الأرض، وبحسب التقويم القمري للمسلمين فإن السنة الهجرية الأولى وافقت بالحساب الميلادي الخميس 15 جويلية عام 622 يوليانية.
وكان العرب قبل الإسلام يستخدمون تقاويم مختلفة ترتبط بأحداث مهمة وجمعيها مبني على حركة القمر الشهرية، فقد كانوا يؤرخون الحوادث بالنسبة للعام الذي بنيت فيه الكعبة عام 1855 قبل الميلاد، ولما أصبح هذا التاريخ موغلا في القدم أخذوا يؤرخون بحادث انهيار سد مأرب باليمن (عام 120 قبل الميلاد)، ثم بدأوا يؤرخون الحوادث بعام الفيل 571 ميلادية، وقبل ظهور الإسلام بفترة قصيرة أخذوا يؤرخون بعام تجديد الكعبة 605 ميلادية.
وبعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة بدأ المسلمون الأوائل يؤرخون حوادثهم بشكل أخر فقد سموا السنة الأولى للهجرة بـ "سنة الإذن بالهجرة"، والثانية بـ "سنة الأمر بالقتال"، والثالثة "التمحيص"، والرابعة "الترفئة" والخامسة "الزلزال" والسادسة "الاستئناس" والسابعة "الاستقلاب" والثامنة "الاستواء" والتاسعة "البراءة" والعاشرة "الوداع" أي سنة حجة الوداع الأخيرة.
واشتهر بني كنانة في مسألة النسئ أو كبس الشهور لكي تتوافق السنة القمرية مع السنة الشمسية ليكفلوا التوافق بين الشهور والفصول لتكون مواسمهم في الفصول المناسبة لإقامتها، أما أسماء الأشهر العربية المتداولة بالتسمية الحالية، فهي نفس الأسماء التي كان يستعملها العرب في العصر الجاهلي، وهي محرم- صفر- ربيع أول- ربيع ثاني- جمادي الأولى- جماد الأخر- رجب- شعبان- رمضان- شوال- ذي القعدة ذى الحجة، وقد سمى العرب الشهور الهجرية بالتسمية الحالية في عهد "كلاب بن مرة" الجد الخامس لنبي الإسلام أي حوالي عام 412 ميلادية.
وبنزول قوله تعالى إن "عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض" تم تحريم موضوع الكبس أو النسئ في السنة القمرية، واعتبرت السنة الهجرية منذ ذلك الوقت 12 شهرا، وتم اتخاذ شهر محرم الحرام ليكون بداية السنة القمرية، وللتقويم الهجري عدة إيجابيات عن التقاويم الأخرى، ومنها أنه إذا أخطأ في أي شهر فإنه يصحح نفسه في الشهر التالي، وعدم ثبوت مواعيد الأعياد والمواسم الدينية والعبادات المهمة نتيجة اختلاف طول الشهر الهجري.
بقلم د/مراد كدير/ ياسين مبروكي
مصدر المقال :
https://elbassair.dz/20537
الأمة الإسلامية، عام هجري جديد، الهجرة النبوية، المجد الحضاري
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة