ما فتئ الباحثون في مجال الأدب العربي يفرون من النثر ويرتمون في (أحضان الشِّعر)، يحدوهم الأمل أنَّ سيجدون في الشِّعر سلواهم… يستظلون بظله ويرتشفون من رقيق لفظه، ظنًّا منهم أنَّ البون شاسعٌ بينه وبين (النثر)! إذ يتصف الثاني (أ ي النثر)، بالجفاء والجفاف…ونسوا أو تناسوا أنَّ الخطابة (باعتبارها نوعًا من النثر)، كان لها ما للشعر من المكانة عند العرب منذ الجاهلية، فهما كفرسي رهان عند العرب…وحسبك أن تطالع كتب التاريخ العربي لتجدها حافلة شاهدة على ما وصل إليه النثر من شأن.
أما إذا جئنا لنتكلم حول (النثر الفني)، فإنه من الأجناس الأدبية التي لا تقل عن الشعر مكانة بل ربما أجد – حسب وجهة نظري الشخصية-أنه يتفوق عليه في بعض الأحيان، خصوصًا إذا تعلّق الأمر بالأمور العقلية الجدلية التي هي من أدوات (نشر الإسلام)، في عصرنا الحاضر، وربما يكون (النثر الفني) -و(الخطابة) جزءٌ أصيلٌ منه- أقربَ إلى فهم غير الملم بالعربية الفصيحة أو حتى من هو من غير الناطقين بها.
يمثِّل ابن خلدون عند الكثيرين كونه مؤرِّخًا وعالمًا من علماء الاجتماع؛ أما كونه أديبًا شاعرًا كاتبًا مُجيدًا…! فقد يخفى على الكثيرين دوره في هذا الجانب؛ لذا آليت على نفسي كشف هذا الجانب للقرّاء وبيان موسوعيته من خلال (النثر الفني) في كتابه (العبر)، محاولًا إلقاء الضوء على هذه الأشكال النثرية التي بزَّ فيها ابن خلدون، وكان له فيها القدح المعلّى، وسنتكلّم في هذه السانحة عن: بُنية الخُطبة عند ابن خلدون:
تاريخ النشر
06/10/2016
الناشر
مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية مكة المكرمة