التفكير والتحقيق والتجديد والابتكار


التحقيق في أوهام ثنائية "الديمقراطية والشورى" و"المدنية والدينية"

د. ياسر حسين حسن | Dr. Yasser Hasan


27/07/2021 القراءات: 3811  



هذه قطعة من كتاب لتصحيح التفكير قيد الإعداد:

مقدمة صغيرة:
يستعمل علماء الحوار مصطلح "التوارد على محل البحث" حينما يوضحون أن آراء المتحاورين في قضية ما لا تأتي على الموضوع نفسه، فكل منهم يقول شيئا في موضوع غير موضوع خصمه.
ومن توفيق الله الكريم الوهاب ما أكرمني به من مصطلح مشابه قادر بإذن الله على تجلية كثير من المبهمات وحل مشكلاتها! وهو:
التوارد على مرحلة زمنيّة واحدة!

مثال: "الدولة المدنية والدولة الدينية"، و "الشورى والديمقراطيّة":
فهي مدنية على كل الأحوال لأنّ من يكوّنها هم المدنيّون، وبعدها فعلى حسب أفكارهم وأمزجتهم وفلسفتهم تصطبغ -حكما- بالدين! فمنهم من دينه سماوي، ومنهم من دينه أرضي!
ويمكن تقريب هذا المعنى للفهم أكثر بتغيير الألفاظ تغييرا يقرّبها لحقيقتها أكثر، فنعبّر عن الدين -مثلا- ب: "طريقة الحياة"! فبأيّ حقّ تسمّي ما أختاره كطريقة حياة دينيا، وما تختاره أنت مدنيّا!؟ واستعمالك لهذين المصطلحين مصبوغ أصلا ليس بالجهل فحسب، بل بأهواء الإنسان المعاصر وتشويهه للحقائق، وتشويشه عليها تشويشا وصل إلى حدّ الوقاحة! برفض كلّ ما يغيّر "طريقة حياته = دينه" حتى ولو كان علمًا مادّيّا يظهر إلهيّة "طريقة حياتي"!؟
وتتوضّح الصورة أكثر حينما نضع الثنائيّات الحقيقيّة لتصبح "الدولة المدنيّة والعسكريّة" و "الديمقراطيّة والديكتاتوريّة" بدلا من الثنائيّات السابقة! فهذه هي الثنائيات التي تظهر التزامن المرحلي الآنف الذكر بإظهار طبائع هذه المصطلحات فيتّضح إيراد المفاهيم بعدها على "مورد زمني" واحد!
فتأمّل الآن وجه الحقيقة الناصع بعد التجريد اللفظي والمعنوي كيف يصبح:
ترى أقواما من بعيد لا تعرف أسماءهم، ولا فكرهم أو طرائق حياتهم، ولا أسماء تلك الطرائق، بعضهم مضطرب بحكم عسكري يكتم أنفاسهم، وبعضهم قد اتفقوا على أن يختاروا حكمهم بإرادتهم. ثمّ إنّ من هؤلاء أصحاب الإرادة من اختار مجموع دساتيره وأخلاقه وأمزجته فسمّاه النمط أو النسق (س)، والآخر سمّى ما اختاره بالنسق (ع). انتهى!؟ نعم تماما! هكذا بهذا التحقيق السهل الممتنع تنتهي مهزلة التسميات الخادعة! فلا دولة مدنيّةً مقابل الدينيّة! بل الكلّ مدنيّ في مرحلته الأساسيّة وطبيعته، ثم يصطبغ كلاهما بصبغة خاصّة بحسب ما يختارونه من "دين" أو "طريقة حياة"!
ولك إن شئت بعدها أن تقارن بين هاتين الطريقتين، فيصبح الحوار للوصول إلى أيّهما أنفع لبني البشر ولكن بشكل منظومي كلّيّ لا اجتزائي، وبما آل إليه حال البشر حينما فرّوا من طريقة لأخرى، وكردّ فعل على ممارسات خاصّة بطريقة محدّدة وفي بلاد محدّدة. ولكنّ الأهمّ من كلّ ذلك ألا نخالف أصول مبادئنا في تقرير مصائر الناس وكأنّنا وكلاء عليهم! وبإملاء فاضح من حكومات تدّعي الديمقراطية وهي تمارس أعتى أنواع الديكتاتوريّات وأكثرها توحّشًا وشرهًا لخيرات الشعوب!
والأمر نفسه في "الشورى والديمقراطيّة"! إذ إنّهما لا تتواردان على "محل بحث أو زمن" واحد! فالديمقراطية والحريّة هما المرحلة والطبيعة الأساسيّة للحياة والاجتماع، والتي تمهد بعدها إما لنظام الحياة والحكم السيني أو العيني: الشورى الإسلامية أو العلمانية الغربية)!

#التفكيرالتجريدي
#التفكيرالتحقيقي


الديمقراطية، الشورى، التفكير، التحقيق، الإسلام السياسي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع