اللاشخصية في مجال الأدب والنقد الأدبي
10/07/2024 القراءات: 561
اللاشخصية مصطلح استعمل في مجالي الأدب والنقد الأدبي، وأخذ خصوصيته الدلالية من مجال استعماله.
1- اللاشخصية في مجال الأدب:
اللاشخصية في الأدب، حسب تعريف المعجم، هي " أن يسرد المؤلف الحوادث كما هي من غير أن يقحم آراءه وتعليقاته فيما يسرد" ، وقد اعتمد هذا الأسلوب كل من "جوستاف فلوبير"، و"إليوت"، و"تولستوي"، خاصة في روايته" الحرب والسلم".
وفي نظر "إليوت" "كل فن عظيم هو بمعنى من المعاني وثيقة عن عصره، ولكن الفن العظيم لا يكون قط مجرد وثيقة، حيث أن مجرد التسجيل ليس فنا. إن في كل فن عظيم شيئا باقيا وعالميا، وهو يعكس الباقي كما يعكس المتغير، وكما أنه ما من فن عظيم يمكن أن يشرح، ببساطة، على ضوء مجتمع عصره فإنه لا يمكن أن يشرح شرحا كاملا على ضوء شخصية مؤلفه. إن في أعظم الشعر دائما لمحة عن شيء مجاوز، شيء لا شخصي، شيء لا يعدو المؤلف من حيث علاقته به أن يكون أكثر من وسيط سلبي."
هذا يعني أن الأديب أو الفنان لا يمثل نفسه وإنما يقدم موقفا شعوريا، موقف شعوري يمكن أن يشعر فيه جميع الناس بنفس الشعور، ولكن لا يملكون نفس التعبير، فميزة الفنان هو أنه يرتقي درجة فوق الجميع، ويستخدم قدرته على التعبير ليعبر عن شعور مشترك استنادا على نهج يقوم بتحوير العالم المحسوس وإعادة تنظيمه.
فقبل عملية الخلق الفني هناك عماء وفوضى تميز الحياة، و وهناك مادة خام غير مشكلة، وبعد تحقق عملية الخلق الفني تقوم اللاشخصية بتنظيم انفعالات الإنسان، ومنحها صبغة فنية. "مبدأ اللاشخصية في الأدب، وهو في وعي "إليوت" يعني تنظيما أخلاقيا للذات المبدعة، في انفعالاتها وسلوكها، وهي السبيل الوحيد لمواجهة فوضى الحياة، وسيولة المادة، وهو مفهوم نابع من رؤيته الدينية التي تعني التزاما فرديا بتعاليم اللاهوت."
2- اللاشخصية في مجال النقد:
واللاشخصية في مجال النقد اتجاه شاع بالولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، بين أعضاء المدرسة المسماة "النقد "الجديد، والتي تهتم بـ"النقد الموضوعي"، ويعني "النقد الموضوعي" أن عمل الناقد لا يتعلق بوصف تأثيرات العمل الأدبي على نفسه، وإنما تتجلى في تحليل أدوات العمل الأدبي وسماته المميزة.
وقد ركز النقاد الجدد على مصطلح "المعادل الموضوعي" الذي يعني" أن الكاتب يخلق "معادلا موضوعيا للإحساس الذي يرغب في التعبير عنه. أو بعبارة أخرى: أن يخلق الكاتب ((شيئا)) يجسم الإحساس ويعادله معادلة كاملة، فلا يزيد أو ينقص عنه. حتى إذ ما اكتمل خلق هذا ((الشيء))، أو هذا ((المعادل الموضوعي)) استطاع أن يثير-بواسطته- في القارئ الإحساس الذي يريد."
وتشمل مقومات "المعادل الموضوع" ثلاثة جوانب، هي: العمل الفني في ذاته- العمل الفني في علاقته بالفنان- العمل الفني في علاقته بالقارئ.
1- العمل الفني في ذاته:
إن العمل الفني ليس تعبيرا مباشرا عن الشخصية، وإنما هو خلق .إنه "(معادل موضوعي) للإحساس، لا الإحساس نفسه."
2- العمل الفني في علاقته بالفنان :
و متى تحول العمل الفني إلى خلق، فذلك النتاج يكون غير معبر عن شخصية الفنان
، وإنما يحيل إلى المشاعر كما عرفها الفنان. وتتميز عملية الخلق بأنها تشبه العملية كيميائية التي تحول المادة الأصلية إلى مركب جديد. فـ"الفنان الكامل هو الذي يستطيع أن يحقق انفصالا تاما ما بين الإنسان والمبدع، وأن يتمثل العواطف التي هي مادة الخلق، وأن اللغة هي ما يمثل الشيء إلى درجة أنهما يتطابقان، وأن انفعال الفن ليس شخصيا، ويتعلق بالقصيدة لا بالشاعر. وهو لا يوصف بالمصطلحات العقلية والرمزية، إنما يترجم إلى موقف أو عمل ملموس يثير استجابة انفعالية، ليخلص إلى أنه على الفنان ألا يحاول التعبير عن الانفعال بشكل مبالغ فيه، وأن يكون دقيقا لا ينقص ولا يزيد، وهو ما يترتب عليه ذلك أن القصيدة لها حياتها الخاصة، لها قوانينها ومبادئها الداخلية التي تنظمها، وهي تتضمن تغييرا حيويا كيماويا للحقائق التي اندمجت لتوليدها."
3- العمل الفني في علاقته بالقارئ:
إن العمل الفني، إذن، لا ينقل الإحساس بل يعادله ، بحيث إن الإحساس الذي يثيره الفن يختلف عن الإحساس الذي تثيره الحياة. "إذا لم يترجم الإحساس إلى (معادل موضوعي) انتقل إلى القارئ كما هو في الحياة."
يظهر لنا من خلال كل ما سبق أن "لا شخصية الفن لا تنفي طابعه الذاتي، وإنما تجاوزه؛ وإن من حق الفنان أن يعبر عن انفعالاته الشخصية مادام يفعل ذلك على نحو غير مباشر، وإن النقد تنمية لحساسية القارئ وليس تعبيرا عن الرأي."
اللاشخصية- الأدب-النقد الأدبي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع