مدونة أ.د بلقيس أحمد الكبسي


قصة قصيرة " إدانة" ج2 المجموعة القصصية " عنيدة كالشمس"

أ.د بلقيس أحمد الكبسي | Prof.Dr. Belqes Ahmed ALkebsi


23/11/2021 القراءات: 3721   الملف المرفق



تأخرتُ كثيراً عندما تقشرتْ الغشاوة عن عينيَّ، لحظة اكتشفتُ حقيقتك الموغلة في التيه، تجلتْ لي كلُّ فضائحكَ بلا أدنى ستر، عصرت الحنظل في حلقي، صككتُ على أسناني، وأنا أمشطُ جراحي المكدسة خصلةً.. خصلة، توسد السهاد مقلتي، فنصبتُ لك محاكمةً فورية أستجوبُ تماديك وألوم سذاجتي وثقتي بك بذهولٍ وقهر: أيُّ نوعٍ من البشرِ أنت؟ وأيُّ روحٍ شريرة تتوارى خلفَ جسدِك الموبوءِ بالخياناتِ المتتالية؟ هل سيوقظك الندمُ يوماً ما؟ أم ستظل معربداً بتهمك الجسيمة؟ عندما أفكر في الأمر يَجِفُ حلقي وينعقد لساني وتنتابني حالة حسرة وندم، وتتخبطني عتمة حالكة، تاه عقلي، وجُنَّ جنوني، واعصار من الأسئلة يعصف بقلبي ويربك تفكيري لمَّ وكيف ومتى؟ ما الذي فعلته بي ولمَّ؟ كيف تجرأت على اقتراف هذه الخطيئة؟ كيف تجاسرت على هتك قلبي؟ ومتى سنحت لك فرصة الخذلان لتقترفها؟ جمعت كل أسئلتي الحائرة في سلة القهر وسلمتها لك فرددت عليها ببرود تام وبررت معللاً: - مجرد نزوة لا غير، فلتغفري...! لم أستطع الرد عليك استغراباً من جراءتك فأجابك الصمت بالنيابة عني: - النزوات التي تتكرر لا صفح عنها ولا غفران لها، من أين لي بعفو لنزواتك؟ لا أمتلك صكوك الغفران لأمنحك إياها. أجل لا غفران لك. لقد تجرأت، غافلتني ودسست خياناتك المسمومة في قلبي، الذي سيقاضيك ويرفع ضدك دعوى بالنيابة عني، هو الذي سيخلعك ويخرجك منه بإصرار وترصد. مرافعتك لم تعد تجدي نفعاً أمام سخطه وغضبه، صاحب الحق اعصاره هادر وصوته مجلجل، وقلبي صاحب حق منتهك، يصرخ في وجهك بعلو انتفاضته: لا غفران بعد الهتك، محكوم عليك بالخروج المؤبد من النبض بأكمله. بعد كل مرافعاتك الخائبة اختليتُ بنفسي بعيداً عن إرهابكَ الذي مارستهُ علي؛ لحاجتي القصوى لأيامٍ نظيفةٍ خاليةٍ من شرَّك وشِرَاكك، بعيدةٍ عن سعيرِ التحدي وأجيج الانتقام الذي شببت نيرانه في وجعي، بحثتُ لنفسي عن منفى أو منأى من جمرِ إصراركَ، ولهيبِ عنادي؛ لعلَّي أزيل أوساخ الليالي الحالكة التي أذقتني إياها، وعلقتْ شوائبها في صدري المكلوم، لعَليِّ أتحررَ من أسرك الذي أعقل وثاقي، فقد آن لهذا الألم الذي ثلَّم قلبي بطعناته أن يحط أوزاره ويترجل عن أوجاعه. تساورني نوباتُ حُرقة، وتعتريني الحسرة؛ ريثما أتذكر أني نثرتُ بذوري في أرضكَ الجاحدة، وتعهدتُ برعايتها؛ عَلَّي أنمَّي -عبثاً- أشجاراً وافرةً بثمارٍ طيبة، ويلاهُ من حصادٍ خبيث...! بذرت في قلبك الورود؛ فغرستَ في روحي الشوك، قبلاتي التي طافت بين خديكَ وعينيكَ أين أجرُها...؟ أناملي وأقدامي التي تسعى لإرضائكَ وتوفير كلَّ متطلباتكَ هل جحدت حسناتها؟ وأين عهدكَ الذي قطعته لي هل تفلتتْ حبالُه؟ فاتخذتَ قلبي مسرحاً لاستعراض فلتاتك الغرامية، تلعبُ عليه جميع أدوار العربدة، نسجتَ مسرحياتكَ، ولعبت جميع أدوارها وكنت أنت بطلَها ومخرجَها في آنٍ واحد. كنت أمامك وبين يديك ولا رغبة لك بي البتة، حتى أوقعتكَ في فخ علاقة افتراضية، ولأنك مدمن علاقات وهمية وعابرة بلا وعي منك لهويتها أو ماهيتها؛ وقعت في شراكي بسهولة وبلا حذر، لم يخطر ببالك أن أكون أنا هي عشيقتك الافتراضية التي اغرمت بها وعشقتها حد الجنون، ادعيت أنك تعيش حياة زوجية أعتى من الجحيم، ادعيت أنك لم تذق طعم الحب من قبل، وزعمت اجحافاً أن حبيبتك المائة بعد الألف الافتراضية - التي هي في الأصل زوجتك المنسية- هي حبك الأول والأخير. لماذا كل هذا الغلو؟ هل لأن كل متاح غير مشتهى وكل مجهول مثير؟ أم أنك ضمنت تواجدي فأصابتك تخمة القرب؟ فبحثت عن بعيدة تلهث خلفها لتحصل على قربها، عن أنثى لا تمتلكها، أنثى لا سلطة لك عليها، أنثى تلهث وراء خطاها علك تحصل على بعض رضاها. لحظة عرفت الحقيقة بلغتَ ذروة استغرابكَ واندهاشكَ، وتلبست جميع حواسك بالذهول، وأنا أقفُ أمامك وجها لوجه في أول لقاء لنا، صابَةً سخطي على رأسكَ بصمودٍ وحزم أصرخ بعلو احتجاجي: أهذه هي كل وعودك التي قطعتها لي وغررتني بها لأرتبط بك؟ نهاية افتراقنا لم أتوقعها البتة، لحظة اتخذت قراري بأن لا مجال البتة للعودة، وأطلقتُ (هشتاق) #هيهات أن تعود# ولكنك وببالغ الأسف عدتَ بهيئةٍ ليتكَ لم تعد بها، عدتَ مقعداً بنصف جسد، إثر حادث فجعني بك أكثر من فجيعتي بخياناتك، فهل كان لزاماً على كل أنثى أن تنتحب قهرين لحظة تُفجع بمن تحب؟! ولأن فاجعتي بك كانت استثنائية ندبتك باستثناء، كان انتحاباً مغايراً، رغماً عني وعن كل القهر الذي استوطنني، خذلني قلبي ولم يستطع التخلي عنك، وقرر وضع ملف إدانتك في أرشيف محاكمة لأجلٍ غير مسمى.


قصة، قصيرة/ إدانة/ مجموعة قصصية/ عنيدة/ كالشمس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع