مدونة محمود سيد عبد المحسن علي


ذو القرنين وفن إدارة المخاطر والأزمات

محمود سيد عبد المحسن علي | Mahmoud Sayed Abdelmohsen Ali


24/06/2020 القراءات: 3881  


يُحسب لأولئك القوم الذين مرَّ عليهم ذو القرنين بين السدين، أنهم استشعروا أزمة يأجوج ومأجوج جيدًا، رغم أنهم قوم لا يكادون يفقهون قولا {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ} ويُحسب لهم أيضا أنهم لم يستحوا من طلب المعونة عندما استشعروا عدم قدرتهم على حلِّ أزمة يأجوج ومأجوج {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي جعلا {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}، وقاموا بعرض مشكلتهم الكبرى عليه، وهي غارات يأجوج ومأجوج على قراهم وإفساد معيشتهم.
فتري كثيرا من المؤسسات تنهار في الأزمات بسبب إنكار تلك الأزمات، وعدم الإفصاح عنها، والبعض يعتبر الحديث عن الأزمة مؤشر فشل، لكننا تعلمنا في محاضرات الجامعة أن خطة التواصل داخل المؤسسات تستوجب إعداد تقرير الأخبار السيئة، وعدم إنكارها أو إخفائها، فالإنكار يمثّل عادةً ردَّ الفعل الأول للأزمات في بعض المؤسسات، والذي من شأنه زيادة الموقف خطورة، كما أن الافتراضات غير الدقيقة أو غير الواقعية يمكن أن تكلّف المؤسسة الكثير.
وطوق النجاة لتلك المؤسسات من أزماتها الأخذ بمعالم إدارة الأزمة الأربعة كما تجلت في قصة ذي القرنين، وهي كما يلي:
أولا: إدارة الاستجابة: قال ذو القرنين عندما عرض عليه القوم أزمتهم {قَالَ مَا مَكّني فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} فقد وعي سريعا حقيقة الأزمة، واستجاب لمؤشراتها الواضحة، وبراهينها الساطعة، فلا مجال للتغافل عنها أو التباطؤ في التعامل معها، فإنكار الأزمات لن يمنع آثارها، والتغافل عنها لن يمحو وجودها.
ثانيا: إدارة المعرفة: فقد أحصي ذو القرنين ما لديهم من إمكانات، فهم عرضوا عليه خرجا {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} فعندهم المال الذي يمثل الموارد المالية ولديهم المواد خام {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}
بالإضافة لكونهم أقوياء ولديهم عمال {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} (وهي الموارد بشرية) فما الذي ينقصهم إذًا بعد كل هذا الإمكانات؟ في تصوري هي حنكة الإدارة والتخطيط والخبرة الهندسية، والتي توفرت في ذي القرنين الذي استطاع جمع هذه الطاقات، وفكر في الحل المناسب لهذه المخاطر، ألا وهو بناء سدٍّ يحول بين يأجوج ومأجوج والغارة على الناس وإفساد حياتهم.
كما تجلّت المعرفة والخبرة الجيدتان في اختيار المكان المناسب؛ والمواد التي يُبنى بها السدُّ، والتي تعطي الصلابة والمتانة لآلاف السنين، وهما الحديد المنصهر مع النحاس، في بناءٍ هندسي يواجه المخاطر المستقبلية.
ثالثا: إدارة المخاطر: لم يقم ذو القرنين بالأمر منفردًا، بل أحسن توظيف الموارد والقدرات، وشاركهم فيها وأعطاهم الحماسة في المشاركة، والثقة بالنفس، فإن مشاركتهم في التخطيط والتنفيذ هو تحقيق لأعلي درجات الفاعلية والولاء بالشكل الذي حقق الهدف، وحصن القوم من أزمة حقيقة، كادت أن تفسد عليهم معيشتهم.
رابعا: إدارة التقييم: فعلى الإدارة أن تقيِّم مدي نجاح الخيار الذي اختارته لحل الازمة، {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وُمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبَا} وتتأكد من تحقق هدفها، وسلامة الإجراءات المتبعة، وتبحث عن البديل التالي في حال استمرت الأزمة.
وفي الختام نتعلم من ذي القرنين معني جميلا يجب أن يتحلى به كل إداري ناجح، ألا وهو إعادة الفضل لله عز وجل {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} فكلُّ توفيق هو من الله سبحانه وتعالي، وما أبلغ قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ).


ادارة الازمة - ذو القرنين - المخاطر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


موضوع جميل استفدنا منه كثيرا ... نفع الله بكم وجزاكم خيرا .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سعادة الاستاذ محمود سيد عبدالمحسن.. حفظك الله ورعاك واكرمك. مقال مميز.. وتحليل دقيق.. واستخلاص للنتائج بصورة مرتبة.. استفدت منه اكبر فائدة كاداري.. وساضعه نصب عيني. شكراً جزيلاً لك.. زادك الله علما وتقى ورفعة.


جميل جدا وجزاك الله خيرا لهذا أمرنا أن نقرأ سورة الكهف كل أسبوع لمافيها من دروس وعبر فعلا موضوع مميز واستنباط في غاية الدقة جزيت خيرا الدكتور محمود تحياتي


شكرا جزيلا لمروركم الكريم وكلماتكم العطرة