مدونة د. رمضان محمد رمضان الأحمر


من هم الدَّيْلَم من الأجناس البشرية ؟

د. رمضان محمد رمضان الأحمر | Dr. RAMDAN M RAMDAN ALAHMAR


05/10/2020 القراءات: 7602   الملف المرفق



الدَّيْلَم:
هم جِيلٌ من الناس يسكنون في بلاد الدَّيْلَم، التي هي الجزء الجبلي من جيلان (اسم لبلاد كثيرة وراء طبرستان، لا تحتوي على مدينة كبيرة بل هي مجموعة من القرى في مروج بين جبال) . ويَحدُّها من الجنوب قزوين والطَّرم وشيءٌ من أذربيجان وبعض من بلاد الرّي، ويَتَّصِلُ بها من جهة المشرق بقية أعمال الرّي وطبرستان. في حين يَتَّصل بها من الشمال بحر الخزر، ومن المغرب شيء من أذربيجان وبلدان الرّان. وتتميز هذه البلاد بأنها جبال مَنيعة مُفيدة للتحَصّن، وهي كثيرة الغياض والشجر.
وقد اختلف المؤرخون والجغرافيون العرب حول أصل الدَّيْلَم، فقد حاول بعضهم أنْ يجد لهم نسباً عربياً، فذكروا أنهم من بَني ضَبَّة وأنهم هاجروا في البدئ إلى أذربيجان ثم تفرقوا في البلاد التي هي موطنهم الآن. وكانت هجرتهم بسبب نزاع بينهم وبين جيرانهم من القبائل الأخرى. وعند هجرتهم افترقوا إلى فرقتين؛ لأنهم كانوا يُنْسَبون إلى أخوين "ديلم" و"جيل"، فبقيت ذُرِّيّة كل واحد من الأخوين منسوبة إليه، وعلى هذا الأساس يرجعون إلى أصلٍ عربي. ولكن لم يأخذ معظم المؤرخون بهذا الرأي ووقفوا منه موقفاً متحفظاً، في حين رفضه ابن خلدون تماماً.
وهناك من يرى بأنّ الديلم جِنْسٌ متميز عن غيره من الأجناس، وكذلك الجيل(الجيل هم أهل جيلان المذكورة آنفا). وإنّ مناطقهم التي سكنوها في الجنوب الغربي من بحر قزوين هي موطنهم الأصلي، وقد تميزوا عن غيرهم بصفات وعادات وأخلاق خاصة مما أعطاهم شخصية مستقلة. ومما يؤكد على هذه الشخصية المستقلة اللغة؛ فمعظم الجغرافيين العرب يَقرُّون بأن لغة الدَّيْلَم تختلف عن غيرها من عربية وفارسية وأرمنية، بل إنَّه في منطقة الدَّيْلَم نفسها قبيلة تتكلم لغة تختلف عن لغة الدَّيْلَم والجيل. وفي ذلك يقول ابن حوقل (م: سنة 380هـ/990م): "ولسانهم منفرد عن الفارسية والرانية والأرمنية، وفي بعض الجيل فئة وطائفة تخالف لسان الجيل والدَّيْلَم".
وقد وصف المؤرخون والجغرافيون الدَّيْلَم بالعديد من الأوصاف، فيقول فيهم ابن حوقل: "والغالب على خَلْقِهِم النّحَافة وخِفَّة الشّعر، والعَجَلَة والطّيش والبدار وقِلَّة المبالاة والاكتراث". ويصفهم المقدسي (م: سنة 380هـ/990م) بأنهم: "لا ترى لهم لباقة ولا علم ولا ديانة... ولهم رسوم عجيبة". أمّا القزويني (م: سنة 682هـ/1283م) فيراهم: "أشَدّ الناس حُمْقاً وجَهلاً! بينهم قتال فإذا قُتِلَ واحدٍ منهم قَتلوا من تلك القبيلة أيَّ واحدٍ كان".
وإلى جانب هذه الصّفَات عُرِفُوا بصفة أساسية اشتهروا بها وهي: الصّلابة والقدرة على التّحَمّل، "وصَبرهم على المجاعة والشّدّة في الحرب". وهذه الصفات جميعها جعلت منهم شعباً محارباً مقاتلاً، اشتهروا كَونهم قُوَّات عسكرية مشاة في الجيوش المختلفة، وإنْ كانوا دائماً نموذجاً للقوات المرتزقة التي تنتقل من طاعة أمير أو دولة إلى طاعة خُصُومِهما وراء الكسب المادي فقط والمنفعة المباشرة، ولَمْ يشعروا إطلاقاً بحرجٍ في ذلك.
ولِطَبيعَةِ الدَّيْلَم المتُقَلِّبَة الشّرسة أثرها في عدم دخول الإسلام لبلادهم مبكراً، حيث كانوا من أكثر الشعوب تمرداً ومقاومة للفتح الإسلامي، لدرجة أنّ الحملات العسكرية الإسلامية على بلادهم قد بلغت منذ عصر الخليفة عمر بن الخَطّاب (13-23هـ/634-643م)، إلى عصر الخليفة العباسي المعتصم بالله (218-227هـ/823-227م) حوالي عشر غزوات. وعلى الرغم من خضوعهم للمسلمين في هذه الغزوات وقَبولهم الصّلح ودفع الجزية، إلاَّ أنهم كانوا لا يلبثوا أنْ يَشُقُّوا عصا الطاعة ويمتنعوا عن دفع الجزية، فَتُرْسِلَ لهم الخلافة الإسلامية عند ذلك قوات لإخضاعهم من جديد.
واستمرّ حالهم على ذلك وظَلُّوا على وثنيتهم واستقلالهم إلى أنْ دخل الإسلام بلادهم في وأخر القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، على يد الحسن بن علي بن الحسن الأطروش(ت: سنة 403هـ/916م)، الذي مَكَثَ بينهم نحواً من ثلاث عشرة سنة، أخذ يدعوهم فيها إلى الإسلام، فاجتمعوا عليه واستجابوا له وأسلم منهم خلقٌ كثير، فَبَني لهم الأطروش المساجد في بلادهم ليعبدوا فيها اسم الله وليحافظوا على إيمانهم.
مستل من:
الأحمر، رمضان محمد رمضان: الحياة الاجتماعية في مصر في عصر الدولة الفاطمية (358-567هـ/969-1171م)، القاهرة، شركة القدس للنشر والتوزيع، ط1، ص88-92.


الدّيلم، الجيل، جيلان، الحسن الأطروش، عسكرية.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


معلومات قيمة وشرح مبسط. شكراً جزيلا