الجيوهندسي العربي


تطبيقات الأحياء الدقيقة في عمليات النفط والغاز: (1) الاستكشاف والتنقيب الهيدروكربوني

أسامة أبو لبدة | O. Abu-Libda


08/09/2021 القراءات: 2200  


تزداد معدلات الطلب العالمي على الموارد الهيدروكربونية سنة بعد أخرى لتلبية الحاجات اليومية من الطاقة اللازمة لأغراض التنمية الشاملة وازدهار المجتمع. ومع توقع خبراء الطاقة باستمرار هذا الطلب العالمي على الموارد الهيدروكربونية ومنتجاتها ذات الجودة العالية في العقود القادمة، فإن الصناعة النفطية تقف أمام تحديات عظيمة في سبيل استكشاف المزيد من الرواسب الهيدروكربونية بكميات وفيرة ومجزية العوائد، خصوصا مع استنفاد المخزون الحالي للمكامن الجوفية الكبرى المعروفة، وضعف أدائها في استرداد النفط المتبقي منها نتيجةً لهبوط مستويات ضغطها الجوفي الطبيعي. أضف إلى ذلك التحديات الحقيقية على صعيد تطوير التقنيات المستخدمة في جميع مراحل الصناعة النفطية: العليا (upstream) والدنيا (downstream) والوسطى (midstream) وما يرافق كل مرحلة من هذه المراحل مجموعة من الالتزامات الصارمة بالمتطلبات المرتبطة بالبيئة والمناخ الكوكبي والسلامة العامة. وهذا الأمر يستدعي من العلماء والتقنيين والمهندسين البحث المستمر عن طرق ذكية ومجدية لتطوير العمليات والطرق المستخدمة في الأنشطة الصناعية المختلفة.
تستخدم حاليا في الصناعة النفطية طرق علمية متقدمة (جيولوجية، جيوفيزيائية، جيوكيميائية) في استكشاف الرواسب الهيدروكربونية على أعماق سطحية وجوفية، برا وبحرا، ومناهج تقنية راقية لاسترداد النفط المتبقي بعد عمليات الاستخراج الأولي، وتكرير وتنقية المنتجات البترولية المختلفة. لكن الخبرات السابقة تشير إلى وجود تحديات ومحددات عديدة في هذه التقنيات تحول دون تحقيق كاملٍ للأهداف المنشودة منها، سواء على الأصعدة المعرفية أو الاقتصادية أو البيئية أو غيرها، مما يتطلب باستمرار إدخال تعديلات إضافية للتغلب على العقبات والمشاكل التي تواجه المشتغلين بها. كما أن الانبعاثات الملوثة من هذه الصناعة خلال عمليات التطوير النفطي المختلفة (الحفر والإنتاج والتكرير والتخزين والتوزيع) تمس قضايا كثيرة متعلقة بالاستدامة والتنمية التي أصبحت من المتطلبات الأساسية في عالم الأعمال عموما، وفي قطاع صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات على وجه التحديد، واستلهاما من فلسفة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة لعام 2030 والنداءات العالمية المتزايدة بضرورة الاهتمام بكفاءة العمليات وتوفير الموارد والرفق بالبيئة والتكيف مع التغير المناخي، بدأ العلماء في قطاع النفط والغاز بالتفكير والبحث عن طرق جديدة تلبي متطلبات الاستدامة بطرق عصرية ذكية وغير تقليدية تعتمد في فكرتها على توظيف الطبيعة في العمليات والأنشطة الصناعية. ومن بين النهج المستحدثة في هذا الاتجاه، وجد علماء التقانة الحيوية حلولا واعدة في استغلال أنواع من الأحياء الدقيقة (الميكروبات) وتفاعلاتها البيوكيماوية (الأيض مثلا) في تصميم العمليات النفطية الصناعية ورفع أدائها؛ مستندين في ذلك على حقيقة علميةٍ مفادها أن الميكروبات التي تتصاحب في الغالب مع المواد الهيدروكربونية في الطبيعة هي ليست كغيرها من الأنواع الأحيائية الأخرى بالنظر إلى قدراتها البيولوجية المميزة في تفاعلها مع المواد النفطية المختلفة (تكسير، تحويل، نزع، إلخ)، وإطاقتها على العيش والازدهار في الظروف البيئية المتطرفة والسمية العالية في الأماكن التي تنشأ وتتجمع فيها الرواسب الهيدروكربونية. ولقد شهدنا في السنوات القليلة الماضية اهتماما متزايدا بهذه الكائنات الدقيقة في تطبيقات الاستكشاف والإنتاج الهيدروكربوني، والمعالجة البتروكيماوية، ومكافحة التآكل والتلوث البيئي وغير ذلك. ويجري العمل حاليا على تجريب هذه التقنية الحيوية وترقيتها لتلبية الاحتياجات والمتطلبات المستجدة في الصناعة النفطية بأعلى كفاءة ممكنة، وبأقل أخطار محتملة.
نحاول في مقالتنا هذه التعرف على التطبيقات الصناعية للأحياء الدقيقة في عمليات النفط والغاز عبر سبر الخبرات العالمية التي سعت إلى الاستفادة من إمكانات هذه الكائنات في تحسين أداء العمليات النفطية وتقليل الأخطار المصاحبة لتشغيلها. كما نناقش في المقالة أبرز التحديات التي تعيق تطبيق الطرق الميكروبية واعتمادها كأداة موثوقة في الممارسات الصناعية المعمول بها في قطاع النفط والغاز. ولهذا الغرض قمنا بتقسيم النقاش في مقالتنا إلى ثلاثة أجزاء رئيسة: الجزء الأول يُعنى بتطبيقات الأحياء الدقيقة في عمليات الاستكشاف والتنقيب الهيدروكربوني. أما الجزء الثاني فيعالج تطبيقات الميكروبات في عمليات الإنتاج والمعالجة البتروكيماوية. وفي الجزء الثالث من المقالة نورد أهم التطبيقات الصاعدة للأحياء الدقيقة في مجال الإدارة الذكية للمخاطر المصاحبة للعمليات النفطية، كالتآكل المعدني والتلوث البيئي. تعالج المادة المرفقة مع هذه المقالة الجزء الأول من الموضوع، وهي تختص باستعراض التطبيقات الحديثة للأحياء الدقيقة في مجال الاستكشاف والتنقيب الهيدروكربوني.


الطرق الميكروبية - موارد هيدروكربونية - الاستكشاف والتنقيب - المعالجة البتروكيماوية - التلوث النفطي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع