العلم في زمن الكورونا د. محمد غازي داود منشور في مجلة تكوين العلمية الشرعية لطالب العلم المؤصل بغداد
محمد غازي داود | muhammad ghazi dawooa
09/07/2020 القراءات: 4232
بسم الله الرحمن الرحيم
العلم في زمن الكورونا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد، فقبل حين ليس ببعيد كان لنا ملتقىً للأرواح، ودواء للجراح، فيه المراح والأفراح، نمر على حِلَق العِلم، فنحلقُ عاليا كأننا في أجمل حُلم، ما بين آيات قرآنية من طريق الدرة والشاطبية، وآثار نبوية، ودقائق فقهية، وقواعد أصولية، ومشكلات نحوية، ومواعظ قلبية، ولمَّا غابت عنا تيكم الحُلل، وتقطعت بنا الأوصال والسُبل، شعرت بشوق يحدو لشقائق النعمان، ولسان حالي يقول:
جاشت بي الذكرى فأرَّقَ مُهجتي ... شوقاً لفقهٍ أوْ دروسِ أصولِ.
حلقاتُ فيها قدْ أحلِّقُ في السما ... فبكتْ عليها مُقْلَتي ومَقِيلي.
فعلى الشقائقِ تُسكبُ (قطراتُ الندى) ... من (آجِرُوْمٍ) أو من (ابْنِ عقيلِ).
(ورقاتُ) علمٍ للجويني هلْ مضتْ؟! ... هلْ تذكرينَ مباحثي ودليلي؟!
يا (مُغْنِياً) للفقهِ أنتَ موفقٌ... أوَ تاقتِ الأوراقُ للتحليلِ؟!.
هلْ يَذكرُ النُّساكُ (عمدةَ سالكٍ؟) ... (كنزَ الدقائقِ) هل دُفنتَ بلَيْلِ؟!
يا سعدُ قل لي ما حديثُ (بلوغنا ... أوَ للمرام) لعسقلانَ رحيلي؟!
أبلغ سلامي للشيوخِ وقلْ لهُم... فليطلبوا للعلمِ خيرَ سبيلِ.
وقدْ سألني من لا أملك رد جوابه، لسلطان الود، وقهر الأُخوَّة، ونسب العلم، أن أكتب ما مضيت به في هذه الأيام، من مشاريع عليمة أو دروس أثيرية، فاستحييت أن أكتب؛ لقلة زادي، وقصور عتادي، وفتور همتي، ووعكات صحتي، ولكن كما قيل: السلطان غالب، والقلب راغب، فها أنا أقول، ومن الله العون والقبول،
قرأت بعضاً من كتبْ، وجردت شيئاً من فوائدَ تكتبُ بالذهب، منها فصولاً من (كافي الموفق) فكان فيها العالم المدقق، ومنها (السلسبيل)، فكان منها العِلْم من عَلَمٍ جليل، ولأنني بغدادي الهوى، أحب هواها، وأعيش على ثراها، فأحب أن أرافق الإمام الهمام أبا الفرج ابن الجوزي البكري رحمه الله وأقلب ثنايا (مناقب الأحمد أحمد)، رحمه الله، (وللمقالات) مقامات عاليات، راسخات ساميات، فقرأت منها ما يشرح الصدر، ويؤنس الفكر، كأنها الفالوذج أو حلوى السُكَّري، من الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله، ولما كان الفراغ قاتلا، والوقت ماضيا، فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا، وبينا أرتب رفوف الكتب، حتى لا يصيبها التلف أو العطب، فهي علي جد غالية، قطعة مني أو قل أغلى من الحانِية، فإذا (بعِقد ثمين) للعَقدِ المتين، لعلامة بغداد شيخ من شيوخ المفسر أبي الثناء، العلامة أبي المعالي علي السويدي البغدادي الشافعي رحمهم الله أجمعين، فتركت الدنيا ورائي قليلا، وتهت في أسطر هذا العِقد إذ ما رأيت له مثيلا، أقلب جواهره ياقوته ولؤلؤه وفيروزه وزمرده، واحدة تلو الأخرى، فكانت الفوائد تأتي تترى، ولا أخفيكم أني أعدت قراءة كتابين قراتهما من زمن مَر، ما بين (حماة) و(تدمر)، كأني عشت فيهما لكني ما تركت مدينة السلام، فكان النفع أكثر وأكثر.
وأما البحوث: فبعد الجهد الحثيث، كتبتُ رسالة (القول السليم في أحكام التسليم) بحث فقهي مقارن يناقش مسائل التسليم في الصلاة، وقد يسر الله تمامه، وأنتظر نشر الكتاب وإكرامه، ومن معالم البغاددة: مفتيها بل مفتي الناسِ شديد الباسِ، قاسم أفندي القيسي رحمه الله، له شرح للأربعين النووية، في كتابه (النزهة البهية)، فأكملت نسخه ونويت تحقيقه ونشره، وفي كل سطر أكتبه من النزهة أقول: حق هذا الكتاب، أن يدرسه الشيوخ والطلاب، والمقربون والأحباب، إذ جمع من الفوائد أغلاها، ومن المقاصد أعلاها، ومن المعاني أحلاها، رحمه الله وغفر له وجزاه الله عنا خيرا، عشت مع كلامه، وتقريراته وإفهامه، وأسأل الله أن يعينني على إتمامه.
أما الدروس عبر الأثير: فانتفعت من مقاطع دروس العلماء الكرام، الشيوخ الأعلام، فلا غنى لي عن شروح الكملي، وتأصيل الددو، ودرر الطريفي، وتسعدني جدا كلمات السعد، حفظ الله الجميع، وكان أخ لي، اسمه السيد علي، صاحب همة وناسك، حفظ ألفية ابن مالك، فطلب أن أسمعها منه غيبا وبالإسراع، فقبلت رجاء الانتفاع، فإني لا أحفظها والوقت ضاع، كما وأستمع القرآن الكريم من بعض الأفاضل والإخوان، رجاء البركة والمذاكرة ورضا الرحمن، وأقلب الفتاوى وأحاول فهم المقاصد فيها,
أما النصيحة لي وللطلاب، دعوا الجدل العقيم، والجوَّال اللئيم، الذي سرق أوقاتنا، وضيع أعمارنا، وما فائدة الجدل، إلا أن يوقع في النفس الأسل، وفي هذه الفترة الوجيزة رأيت بعض إخواني الكرام، يسأل السؤال لا لينتفع ويتبصر، بل ليبني على السؤال سؤالات ويتذمر، سؤالات لا تنتهي، ومناظرة لا تنقضي، وما كان الهدي هكذا، فالصالحون يسلمون ويبحثون، ويسألون الله الفتح والعون. والله الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم ردنا إلى دينك، وثبتنا على الحق، واهدنا سبل السلام، واختم لنا بالخير والتمام، واعف عنا، واغفر لنا، وصل اللهم على صفوة خلقك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون .
د. محمد غازي
بسم الله الرحمن الرحيم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
اسأل الله ان يرضى عنك شيخي جزاك الله خيراً
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة