المسجد برلمان نبوي بحكم راشد
سالم خليفة بن امحمد بن بحر | Salem BAHAR
26/12/2021 القراءات: 1068
إن الحمد للله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونصلي ونسلم علي خير من بعثه ربه رحمة للعالمين، وقدوة لنا في البناء والتفكير، وبعد
فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من مهاجره مكة حرسهما الله، كان من حكمته وحصافته صلى الله عليه وسلم أن يبني مكان يجتمع فيه مع أهل البلاد التي وفد عليها، واتخذها مستقرها، فأراد أن يتخذ المسجد فيها أول ما يُبنى ليكون مقرًا مركز القرار التي تدار فيه شوون الدولة (ما يُسمى اليوم البرلمان) ولما تم بناء مسجده صلى الله عليه وسلم استطيع القول أنه أصبح برلمانه الذي يسير منه دولته.وهو الأساس الذي كان لازمًا أن يأخذه صلى الله عليه وسلم، حيث يتم أروقته، فوق أداء الصلوات، تدبير أمور الدولة، والتشاور في مستقبلها، وعرض المشكلات التي تواجهها، والأخطار المحدقة بها، دون إغفال حقوق الناس المقيمين في ظلها وعرضها، ومشورة أصحابه.
لذا فسرعان ما كان لهذا المسجد ـ بمثابة برلمان النبي صلى الله عليه وسلم-الذي من خلاله قام بكل خطوات التأسيس. ومنه اعتمد تخطيطه للمدينة على تحديد مركزها وتحريم باطنها، فأصبح المسجد بذلك مركزًا لدولة النبي (صلى الله عليه وسلم ).
فخط الخطط اللازمة لقيام الدولة، والذي منه وفيه أمر بتمييز حدود المدينة وأطرافها، وربط مركزها بأطرافها، أي حِمى المدينة. كما هو حديث كعب بن مالك أن الرسول أمره بتمييز حدود المدينة فوضع علامات الحدود على «أَشْرَافِ ذَاتِ الْجَيْشِ وَعَلَى أَعْلامِ الصُّبُوغَةِ وَعَلَى أَشْرَافِ مَخِيضٍ وَعَلَى أَشْرَافِ قَنَاةٍ. وعلى هذا اعتبر صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك باطن للمدينة وحرمٌ لها فقال: «لكل نبي حرم، وحرمي المدينة». وبذلك خرجت الدولة الجديدة، دولة النبي في المدينة، إلى الوجود. وبرلمانه هو المسجد. ولا غرو أن كان للمسجد في حقب الإسلام المختلفة من خلافات إسلامية دور هام ،والتي من أبرزها حقبة الأندلس حيث كان المسجد دور واضح ومهم-وكان يسمى بالمسجد الجامع-. فأصبح الرئيس هو النبي صلى الله عليه وسلم، ونائبيه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، ومن ورائهم أعضاء دائميين يأتون في ترتيبه حسب منازلهم وتقدم إسلامهم.
لقد كان في البرلمان النبوي تعقد المجالس الخاصة بالمشورة السياسية. والعلمية، وكذا مسائل التخطيط، والتأسيس والترتيب، والقضاء، فليس للبرلمان في زماننا بدعًا من الأمر إلا في اسمه، فقد كان المسجد هو البرلمان الذي لا يضاهيه بحق أيٍّ من برلمانات الدنيا.، فمن سمّاه برلمانًا إلا في المسمى. فلو نظر أهل الاختصاص اليوم وعقدوا مقارنة بسيطة بين أمر أُقر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أُمر أُقر في برلمان معاصر، وليتضح ذلك أضرب مثلًا بمسألة: إقرار الحرب أو الهدنة؟ أليس كان ذلك يتم أمرها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، كما هو الحال في برلمانات العصر، ولا أخفيك أن قرار النبى صلى الله عليه وسلم لا يتأتى منه إلا الرحمة بالخلق، والرفق بهم، واللطف حتى بالدوآب، على خلاف ما يتم في دهاليز تلكم القاعات التي لا تجتمع إلا على تعطيل دور المسجد في حياتنا، حتى أخرجوا العلم منه، ولا يصلح حالنا إلا برجوع العلم إليه، ونشره منه.
ولا يخفى على من غاص في كتب تاريخ الأسلام ودرس سيرة النبي صي الله عليه وسلم، ورأى ما كان يدور ويتداول في مسجده أو مساجد الأمة على مر العصور هو نفسه ما يدور في برلمانات العالم المعاصر.
لذا فقد كانت من أوليات أعداء الإسلام خاصة التي نكلت بأهل الإسلام وعاتت فسادًا في بلادهم، هو أن تعطل دور المسجد على أن يقتصر في إقامة الصلاة لا أكثر، وأصبحت هذه السياسة الاستعمارية اللعينة منهجًا لحكام كثُر في زماننا هذا، تهدف دائمًا وأبدًا إلي تعطيل دور المسجد.
لذا والذي أراه يجب أن ينصب اهتمامي أهل الحل والعقد، والمدافعين عن الإسلام الحق، إعادة مكانة المسجد، وإرجاع دوره والذي من بين أهم هذه الأدوار أن يرجع العلم إليه كما كان يخرج منه، فلو لاحظتم أصبح العلم أو المؤهل من مجالس المسجد إن وجدت لا يعطى قيمة مثل التي تخرج من الجامعة. بيد أن المسجد عندنا هو الجامعة، ومجلس الدولة، والبرلمان، ومجلس الشعب، كلها مسميات يمكن للمسجد أن يثوم بها كما قام بها على مر العصور، مع إمكانية توسيع دوره بما يناسب الواقع والأمل، بحكم نبوي رشيد سديد، يستنبط من سيرته، ويستلهم من صحابته، ويغترف من اتباعه دون إفراط ولا تفريط.
......وللحديث بقية، وأتمنى على من رأى غير الصواب أن يدلنا عليه
نفعنا الله وإياكم بكل ما فيه خير
فما كان من توفيق من الله وما كان من خطإٍ فمني ومن الشيطان
البرلمان النبوي، حكم رشيد،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع