مدونة دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع


كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" وملامحه المنهجية

دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع (السّيري المنهاجي) | Moataz Ahmed Rfaye Zarea


26/12/2020 القراءات: 753  


كتاب "سبل الهدى والرشاد" وملامحه المنهجية
كتاب "سبل الهدى والرشاد" أو "السيرة الشامية" كما يُطلق عليه البعض، هو كتاب سيَريٌّ ضخم، يُعدُّ أهم نتاج المتأخرين قاطبةً، وقع في ثلاثة عشر مجلدًا، سماه صاحبه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وذِكْر فضائله ، وأعلام نبوته، وأفعاله وأحواله، من المبدأ وحتى المعاد".
جمع هذا الكتاب بين طياته ألفَ بابٍ من أبواب السيرة بجميع علومها، ومن تحت كل باب من هذه الأبواب مادة علمية دسمة جدًّا، نسجها خليطٌ عجيبٌ بين علوم السيرة.
يعدُّ هذا الكتاب هو آخر الموسوعات السيَريَّة التي شملت جُلَّ علوم السيرة قاطبةً، عكف على تصنيفه إمامٌ من طرازٍ فريدٍ، جمع بين منهجي التاريخ والحديث، وحبك بينهما في بوتقةٍ واحدة وفريدة من نوعها.
فلقد صنف في علوم السيرة أئمة لا يُحصون, فمنهم من صنف في التاريخ النبوي وهو السيرة, ومنهم من صنف في المغازي وهي غزوات النبي, ومنهم من صنف في الدلائل والأعلام وهي معجزات النبي, ومنهم من صنف في الشمائل وهي أحوال النبي, ومنهم من صنف في الخصائص وهي خصائص النبي؛ كل هذه التصانيف الرائعة وصلت إلينا متخصصة في فنها الخاص, ومن العلماء من حاول الجمع بينهم في مصنف واحد, لكن كتابنا هذا الذي نحن بصدد الدراسة عنه هو الوحيد الذي ألم بكل هذه العلوم في موسوعة ضخمة نظر صاحبها في ألف كتاب وجمع مادته منها, وأُرجع سبب إلمامه إلى تأخره زمنًا عن هؤلاء المصنفون فاستطاع أن يجمع ما هو مفرقٌ بين الكتب.
وكتاب سبل الهدى والرشاد له طبعتان محققتان، احداهما تجارية، وهي طبعة بيروت، بتحقيق: عادل عبد الموجود، وعلي محمد معوض، طبعت في عام 1993م, وقعت في اثنى عشر مجلدًا، والأخرى علمية إلى حدٍّ ما، وهي طبعة المجلس الأعلى للشؤن الإسلامية بمصر, بتحقيق جماعة من المحقيين, طبع أول أجزائه في عام 1972م, وقعت في ثلاثة عشر مجلدًا.




الملامح المنهجية للكتاب
يُعدُّ هذا الكتاب موسوعيَّ المادة، وموسوعيَّ المنهج; فجمع بين مناهج الصنعة والصُّنَّاع، أما الأولى: فجمع بين علوم كثيرة من الحديث والسيرة واللغة، وأما الثانية: فجمع بين منهج الاستقصاء، والاستيعاب، والتأصيل، والتحليل، والموضوعية، والتعددية.
وسأفرد ذلك في نقاط عامة، أهمها:-
1- منهج الاستيعاب: حيث استوعب الكتاب غالب أحاديث السيرة النبوية؛ بل إن شئت فقل أنه استوعب غالب أحاديث السنة المتمثلة في سيرته ، وشمائله، وخصائصه، ومغازيه، ودلائله, وفقهه، وفتاويه.
2- منهج الاستقصاء: استقصَى صاحبُ الكتاب في كتابه هذا مرويات السيرة; فلا تجد مروية قد سُطِرت في كتب الأقدمين والمعاصرين له، إلا وقد دوْنها وسطرها في كتابه، ويدل على ذلك كثرة الموارد التي أشرب منها مادة كتابه.
3- منهج التعددية: والتعددية في هذا الكتاب لها صور مختلفة، منها التعددية في العلوم؛ فقد جمع بين علوم الشرع بأصولها وفروعها، كالفقه والحديث والتفسير، والسيرة والتاريخ والعقيدة واللغة، ومنها التعددية في صور التصانيف؛ فقد جمع بين الموارد والمشارب المختلفة في حبكة فريدة من نوعها، والثالثة: التعددية في الأخبار وطرائقها؛ فقد يروي الخبر الواحد من مصادر عديدةٍ، ويجمع بين ألفاظه وبين طرقه الصحيحة والسقيمة.
4- منهج التأصيل: بُنيَ هذا الكتاب على مبدأ ومنهج التأصيل؛ ففي كل بابٍ من أبوابه تجدُ التأصيلَ عنوانه، إن طرق مسألة سِيَريَّة أو مغازية، أو حديثية أو لغوية، أو تراجمية، أصَّلَ لها.
5- منهج الموضوعية: والموضوعية هنا أقصد بها صورتين، أولهما: الموضوعية في طرح الخلاف إن وجد في مسألة ما؛ فلقد سطر هذا الكتاب المسائل الخلافية الواردة أثناء الباب، فعرض الآراء جميعها بموضوعية تامة، ثم رجَّح حسب ما هُدىَّ إليه الترجيح، والصورة الأخرى للموضوعية: هي منهج الكتاب الذي أقامه صاحبه على السرد الموضوعي؛ فيذكر الموضوع، ومن تحته الأخبار والروايات، والقصة التي ذكرت في هذا الموضوع بشتى جوانبه.
6- منهج التتبع: ومنهج التتبع قلما تجد سِيَريًّا يقوم به؛ فلا يقوم به إلا من خُلطَت دماؤه بعلوم الحديث، كمصنِّفنا هذا الذي صنف في الحديث وعلومه؛ بل وأعمل هذا العلم في المرويات السيريَّة والمغازيِّة، فكان لزامًا عليه أن يتتبع المرويات والرواة، وهذا ما حدث بالفعل.
7- منهج التعقيب والترجيح: لم يكتف المصنف بنقل الرواية، أو أن ينقل الخلاف الدائر في مسألة ما، لا؛ بل يناقش ويعقب عليها، ثم يُرجِّح حسب ما هدى إليه الترجيح، وفي باب المغازي غالبًا ما يقع هذا في تواريخ الغزوة وموقعها وعدد أفرادها... إلخ.
















كتبه
د/ معتز أحمد رفاعي زارع




كتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" وملامحه المنهجية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع