مدونة أ.د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي
ظاهرة تعامد الشمس على معبد أبي سمبل الكبير
أ. د. ياسر عبد الفتاح عبد الهادي | Prof. Dr. Yasser Abdel-Fattah Abdel-Hadi
30/10/2020 القراءات: 1400
منذ اكتشافها شدَّت ظاهرة تعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس في معبد أبو سمبل الكبير التي تتكرر في السنة الشمسية مرتين (يومي 22 فبراير و22 أكتوبر) انتباه المهتمين باﻵثار المصرية القديمة والتي يبدو أنها بنيت على أسس معمارية وفلكية وطبوغرافية.
وتدل هذه الظاهرة على عدة أشياء منها أن قدماء المصريين بلغوا شأوا عظيما في دراسة الفلك وبالذات علم الميكانيكا السماوية الذي منه تحسب مواقع ومدارات النجوم والكواكب واﻷجرام الفلكية ، كما تدل هذه الظاهرة كذلك على خصوصية هذا الموقع في أرض النوبة جنوب صعيد مصر والذي اختاره في البدء الملك سيتي اﻷول والد الملك رمسيس الثاني ليبدأ فيه بناء المعبد الكبير. لكن الملك اﻷب يموت قبل استكمال البناء فيكمل الابن البناء ويزينه بصوره وأحداث عصره متجاهلا والده تماما. ليس هذا فحسب بل يبني معبدا آخر صغيرا لمليكته وزوجته المحببة نفرتاري (جميلة الجميلات) إلى جواره في حضن الجبل الذي يجمعهما.
وقد كانت هذه الظاهرة تحدث في يومي 21 فبراير و21 أكتوبر من كل عام لما يزيد عن 3000 عام حتى إنشاء السد العالي الذي تسبب في نقل المعبدين إلى أعلى الجبل على ارتفاع 66 مترا عن مكانهما اﻷصلي حتى لا تغرقهما بحيرة السد العالي مع بناء جبل صناعي على غرار الجبل اللذين تم نحتهما في صخوره الصماء. ونتيجة لهذا تأخرت الظاهرة يوما كاملا لتصبح في يومي 22 فبراير و22 أكتوبر من كل عام. حيث تتسلل أشعة الشمس بعد شروقها بدقائق عبر مدخل المعبد لتمر في ظلمة الدهليز المؤدي إلى غرفة قدس اﻷقداس حيث توجد هناك أربعة تماثيل لكل من رع حور إختي (إله الشمس عند قدماء المصريين) والملك رمسيس الثاني وآمون رع (كبير آلهة قدماء المصريين) وبتاح (إله الظلام والسواد وأحيانا الحرف واﻷعمال). تنير هذه اﻷشعة نصف وجه تمثال رع حور إختي وجميع وجهي تمثالي رمسيس الثاني وآمون بينما يبقى تمثال بتاح في الظلام الدامس. ويبدو أن هذا التصميم كان مقصودا طبقا لرمزية كل شخصية من هذه الشخصيات اﻷربع.
وتفسير هذه الظاهرة فلكيا هو أن أي نقطة ما بين مداري السرطان والجدي يمكن أن تتعامد عليها الشمس مرتين في السنة الشمسية أثناء انتقالها الظاهري بينهما طبقا لدوران اﻷرض حول الشمس الذي يحدث تعاقب الفصول اﻷربعة. لكن تبقى العبقرية المعمارية ظاهرة في اختيار الموقع وتوجيه المعبد لتخترق أشعة الشمس دهليزه المظلم في ظل المعرفة الفلكية المتطورة جدا في هذه الحضارة.
وجدير بالذكر أن يومي التعامد المذكورين لا علاقة لهما من قريب أو بعيد بيوم مولد الملك رمسيس الثاني أو يوم جلوسه على العرش ، فلا يوجد دليل علمي واحد على هذا اﻷمر وخاصة أن المعبد بدئ في بنائه في عهد أبيه سيتي اﻷول كما ذكرنا ، ومازلنا نعكف اﻵن على تفسير أهمية هذين اليومين منذ بدأت العمل على هذه الظاهرة منذ زيارتي للمعبد في أكتوبر 1997م وتصويره قبل وأثناء وبعد الظاهرة وحساب زوايا شروق الشمس في هذه اﻷيام. هذا العمل نتج عنه بحث مبدئي يتحدث عن الظاهرة بشكل عام تم نشره في عام 2004م واﻵخر أحاول إنهاءه ﻷنشره في أقرب وقت وربما سيكون فيه التفسير اﻷقرب لهذين اليومين إن شاء الله.
يبقى في النهاية أن نذكر أن مثل هذه اﻵثار وغيرها تعطينا دروسا صامتة لمن يعي ويتفكر في إنشاء المباني الذكية التي تتطلب إضاءة أو تدفئة أو تبريدا طبيعيا من الشمس لتقليل استخدام الطاقة التي يستهلكها المبنى كما يحدث في الدول المتقدمة التي تعتمد التفكير والبحث العلمي في مشاريعها وصناعاتها وأبنيتها وفي سائر أمور حياتها. فهل يأتي الوقت الذي يتلقى فيه اﻷحفاد دروس اﻷجداد الذين سكنوا هذه اﻷرض ويعملوا بها بعد أن سبقتهم إلى ذلك أمم كثيرة؟!!
الفلك الأثري - الحضارة المصرية القديمة - معبد أبو سمبل - تعامد الشمس
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع