التفسير بالاكتشافات الحديثة على حساب المعروف من عادات العرب وأحوالهم
محمد حبيب أبوبكر | Muhammad Habib Abubakar
19/09/2020 القراءات: 1237
تعتمد عملية تفسير القرآن الكريم اعتمادا أساسيا على عدة ضوابط تعين المفسر الوصول إلى فهم المراد الإلهي. ومن هذه الضوابط؛ معرفة عادات العرب وأحوالهم، فالآيات القرآنية تنجلي معانيها لمن جعل هذا الضابط ركنا له، و تفسير عائشة رضي الله عنها لقوله تعالى "إن الصفا والمروة من شعائر الله" أبرز أهمية معرفة عادات العرف في الوقوف على المعنى الصحيح.
روي عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: " أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ} [البقرة: 158] اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَمَا نَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ، «كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
وعلى هذا لا يمكن بأية حال إغضاء الطرف عن أحوال العرب وعاداتهم لأن من شأن ذلك يوقع المفسر في خطأ فاحش، وبالتالي يمنعه من فهم الآية والحكمة وراء سبب نزولها.
فإذا كانت الاسكتشافات الحديثة تمد المفسر بمعان أخرى لن تنكشف سابقا فلا يعتد هذا دليلا على نبذ ضابط أساسي من ضوابط تفسير القرآن الكريم.
ونمثل بتفسير قوله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ} قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: التبتيك هاهنا هُوَ قَطْعُ آذَانِ الْبَحِيرَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشُقُّونَ آذَانَ النَّاقَةِ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ وَجَاءَ الْخَامِسُ ذَكَرًا، وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الِانْتِفَاعَ بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُقَطِّعُونَ آذَانَ الْأَنْعَامِ نُسُكًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ مَعَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ كُفْرٌ وَفِسْقٌ. (تفسير الرازي: 11/223)
وهناك تفسير علمي أشار إلى أن المراد ب "فليبتكن آذان الأنعام" راجع إلى الاستنساخ الذي اكتشفه العلم الحديث.
والاستنساخ من الفعل (نسخ) وهو الحصول على صورة طبق الأصل من النسخة الأصلية، عن طريق زرع خلية الأذن في بويضة أُفرغت من الكروموسوم، أي من الإرث الجيني، عبر حقنها أو استخدام تيار كهربائي لدمج الاثنتين معاً. وبهذا اصبحت البويضه بدلا من ان يكون نصف كروموسوماتها من البويضه ونصفها من الحيوان المنوي اصبحت كل كروموسوماتها من خليه الاذن. ثم تنقل البويضة إلى رحم أنثى تسمى "الأم البديلة"، لتحمل بها وتلدها بعد حين. لتأتي النتيجة جنيناً أو مولوداً مستنسخاً من صاحب الخلية المزروعة. هذه الطريقة هي التي تم استخدامها لاستنساخ النعجة دوللي.
فهذا الذي استكشفه العلوم الحديثة لا يكون مبررا في رفض الروايات اتفسيرية بأن المراد من "فليبتكن آذان الأنعام" هو أن أهل الجاهلية كَانُوا يَشُقُّونَ آذَانَ النَّاقَةِ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ وَجَاءَ الْخَامِسُ ذَكَرًا، وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الِانْتِفَاعَ بِهَا.
قال ابن كثير: ابن كثير: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ} قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَعْنِي تَشْقِيقَهَا وَجَعْلَهَا سِمَةً وَعَلَامَةً لِلْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَار قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي خلقتُ عِبَادِي حُنَفَاء، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فْاجْتَالَتْهُم عَنْ دِينِهِمْ، وحَرّمت عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ". (تفسير ابن كثير: 2/415)
وعلى هذا فيحمل هذا التفسير تفسير أوليا للآية وما اكتشفه العلم الحديث يكون تابعا ومقويا له ومن باب بقاء القرآن معجزة خالدة.
التفسير، الاكتشافات الحدبثة، عادات العرب،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف