مدونة ناصر عبد الكريم الغزواني
نظرة منطقية في مبحث الأخلاق والعلم
ناصر عبد الكريم الغزواني- أستاذ مشارك | Nasser El Ghuzawany
07/06/2020 القراءات: 3909
إذا سلمنا وفرضنا أن الأخلاق هي مقياس الحضارة ومؤشر النجاح الحقيقي للأفراد والمجتمعات ..فبناءا علي المسلمات الرياضية , من الممكن افتراض متوسط حسابي لها لقياس مستوي التطور في كل مناحي ومجالات الحياة... ويزداد المضاعف تبعا لذلك... فإذا كان المقياس الاخلاقي أساس الحساب والمقارنة base figure يساوي (10) وكانت هناك مقاييس حسابية معينة لقطاعات التعليم-الصحة- الصناعة- التجارة-المصارف- الرياضة-السياحة..فإن تطور هذه القطاعات هو حاصل ضرب 10 في القيم المعطاة لكل قطاع.. مثلا التعليم يساوي 15. اذا مقياس الأخلاق "الإنتاج العلمي" في هذا القطاع يساوي حاصل ضرب 10 في 15... والصناعة 12..إذا المقياس الأخلاقي "الإنتاج الصناعي " يساوي حاصل ضرب 10 في 12.... الخ ويزداد المردود مع زيادة القيم الحسابية المعطاة في كل قطاع. ويقل مع انخفاض القيم. مثال: قطاع الصحة إذا قل مردوده الحسابي ووصل إلي 2..فإن التطور يقل بحيث يصبح حاصل ضرب 10 في 2 فقط. ولكن التطور يظل قائم بدرجات متفاوتة كلما بقي المقياس الرئيسي "الأخلاق" موجب. ولكن تحدث الطامة الكبرى...عندما يصبح المقياس الرئيسي base figure يساوي صفر, عندها.. كل شئ يكون منتهي... كل شئ سيصبح "هالك" .. سيصبح الفشل عنوان كل شئ ...الأفراد والمؤسسات...الخ لأن حاصل ضرب صفر في أي قيم حسابية معطاة للقطاعات المذكورة سيصبح "صفر" حتي ولو كانت القيمة الحسابية "مليون" ؟؟ الهمجية سوف تسود وتحكم... تعاملاتنا الإنسانية سيغيب عنها الأخلاق وتصبح مثل " المنظومة الفسبوكية" نفاق ورياء ومجاملات فارغة... وسيختفي التقدير من حياتنا... وسيصبح الحديث عن التوافه وصغائر الأمور هو أساس كل شئ...الاحتقار سيطغى وانعدام الأدب سيسيطر... سيرحل العلماء ويبقي السفهاء!! الجهل يضرب بقسوة دون أي رحمة... دور التنشئة الاجتماعية التي ينادي بها خبراء علم النفس سعيا نحو تحفيز الطاقات نحو الإبداع سينتهي قبل أن يبدأ ؟ سيسود الغش والتزوير المؤسسات التعليمية وسنشاهد أصحاب مناصب لا يصلحون حتى لتربية الأغنام ..وسيتوقف الإنتاج الصناعي والزراعي في دول ذات موارد كبيرة... الكنوز السياحية تصرخ ولكن لا حياة لمن تنادي؟ الرياضة حدث ولا حرج معاقة...المجتمع يستورد كل شئ تقريبا.. فلا وقت عندهم للعمل...إنهم بارعون فقط في أن يكونوا متفرجين علي من حولهم والتحمس لهم بدون أي فائدة .. إن الأخلاق لا تطور المجتمع فحسب..ولكن أيضا تنشر المحبة والمودة بين البشر وحسن الخلق أحد أبرز أنماط الجمال، وكل هذه الأمور تشكل البيئة الصالحة التي تقود للإبداع والاستفادة من المقدرات المختلفة البشرية والثقافية والاقتصادية...الخ. أمام الإنسان خيارين لا ثالث لهما: إما أن ينتصر للأخلاق ويكون رسولا مخلصا لها..وإما أن يتغافل ويترك هذا الأمر. وعندها سوف لن يذكره التاريخ بأي شئ وسينضم إلى قائمة "قد لا تنتهي"من الصعاليك والأوغاد. ومما لاشك فيه هنا إن الشخص الطبيعي لا يبغي الشر لنفسه.. والشر هنا يمثل الابتعاد عن أقصى درجات الكمال الإنساني " الشر هنا يساوي الجهل الذي يدمر الإنسان" , وبالتالي فإن الإنسان العاقل السوي سوف يؤمن بالتجربة الأخلاقية باعتبارها تمثل حجر الأساس والدعوة الحقيقية للحياة...والتجربة الأخلاقية هنا تلبس حلل متعددة من الفضيلة.. يحاول من يلبسها أن يقتدي بحكماء وعظماء التاريخ... بحمورابي الذي وطدها بقوة القانون .. كونفوشيوس الذي طبعها بالسلام... أرسطو الذي زينها بجمال الترابط الاجتماعي... بسقراط الذي تجرع كأس الموت دفاعا عنها ..والفارابي الذي تعمق بفلسفتها وربطها بالخير الحقيقي والجاحظ الذي صورها في أدبه وبلاغته. وقد أشار الكاتب "عبد الرحمن بدوي" في موسوعته الفلسفية "1984" إلى توجه الفلاسفة للبحث عن الخير الأسمى لدى الأفراد عن طريق الفضيلة عندهم على اعتبار أنها تحقق الخير للدولة . ومن أهم ما ذكره أليكسوس كاريل في مؤلفه "الإنسان ذلك المجهول" : يجب على الإنسان أن يفرض على نفسه قاعدة داخلية حتي يستطيع أن يحتفظ بتوازنه الداخلي والعضوي, إن أي دولة قادرة على فرض القانون على الشعب بالقوة, لكن لا تستطيع أن تفرض عليه الأخلاق. كما أورد "جميل صليبا" في معجمه الفلسفي " 1982 " تصور أفلاطون عن الفضيلة " إذا كانت العفة فضيلة العمال , الشجاعة فضيلة الجنود, الحكمة فضيلة العلماء, فإن المجتمع الفاضل هو المجتمع العادل الذي تتحقق فيه جميع الفضائل الإنسانية. وأخيرا: ترتبط الفضيلة دائما بالمعرفة " سقراط" فلا فضيلة بدون معرفة ..إذا لا أخلاق بدون علم حقيقي, وهذا العلم الحقيقي يبرز ويعبر بقوة عن وجود هذه الأخلاق , وقد جعل القرأن العظيم العلم أساس كل خير.. وأساسا للأخلاق نفسها ..أول مانزل من القرأن "إقرأ"..وأول ما وصف به القرأن معلم البشرية الأول "وإنك لعلى خلق عظيم".
الأخلاق- العلم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع