التربية .. بين عجز المحاضن، وقصور التأهيل..
21/12/2021 القراءات: 5160
*التربية .. بين عجز المحاضن، وقصور التأهيل(2).
✍️ ياسر الدالي.
منذ أن وطئت أقدام ما يسمى بـ ( الربيع العربي) الأرض العربية حتى انتشرت في المجتمع فوضى عارمة، هذه الفوضى تسببت في تجاهل كثيرٍ من الناس للنظام العام، والقوانين، والأعراف، والعادات، والتقاليد السائدة في المجتمعات العربية، وتسرّبت هذه الفوضى بالتأكيد إلى مصانع الأجيال (المدارس).. فاختلّ ميزان القيم، وانتشرت في أوساط الفئات العمرية التي تأثّرت بموجة الربيع العربي، والتي كانت في مقاعد الدراسة الأخلاقيات السئية، من ظاهرة التعدّي على المعلمين، والتعدّي على حقوق الآخرين، وقلة احترام الكبير وتوقيره، وانتشار المياعة والرذيلة، وانتشار الغش وكأنه حقٌ يجب إتاحته، وانتشار ظاهرة حمل السلاح من قبل فئاتٍ عمريةٍ المفترض أن تكون في مقاعد الدراسة، وترك الصلاة والمجاهرة بذلك، وانتشار ظاهرة تخزين القات وتوابعه من ( شمة، حوت) وغيرها، بين فئات عمرية صغيرة لا تعمل، وقضاء أطول الأوقات أمام شبكات التواصل الاجتماعي دون تقدير لأهمية الوقت وتنظيمه، وغيرها من الاختلالات التي توحي بتدهورٍ مخيفٍ في منظومة القيم لدى المجتمع، خاصةً لدى شريحة الطلاب بمختلف فئاتهم العمرية.
لا أنسبُ هذا كله إلى موجة الربيع العربي، بل ربما كانت النوايا طيبة وحسنة في التخلص من ظلم جثم على البلدان لعقودٍ طويلة، لكنها بالتأكيد كانت إحدى نتائجه التي أُرِيد لها أن تنتشر وتَعُم.
إنّ المحاضن التربوية اليوم، والمتمثلة في رياض الأطفال، والمدارس، والمعاهد، غير قادرةٍ على تحقيق ما نصبو إليه من تربية متوازنة للجيل؛ لأسباب عدة، فالمعلم مكانته مهزوزة، وحقوقه مهدورة، وتأهيله لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ومناهج مكثفةٍ، وعقيمة، لا تحقق المراد، ومخرجات كلية التربية لا ترتقي إلى مستوى الأهداف التي نأملها.
إنّ إعادة بناء منظومة القيم لدى المجتمع والتي اختلّت ليس بالأمر الهيّن، فقد نحتاج إلى عقدٍ، أو عقدين من الزمن لإعادة هذه المنظومة إلى طبيعتها، وهذا لن يتأتّى إلا عبر البناء المنظّم للجيل، وهذا محالٌ أن يتم، مالم نعمل على كل الاتجاهات في سبيل الارتقاء بمستوى الخدمة التعليمية التي تقدّم للأجيال.
*هذه الخدمة التي نتحدث عنها تبدأ من:*
١- إعادة الاعتبار للمعلم، ورفع مكانته: وهذا لن يكون إلا إذا أُعطِي المعلم حقوقه كاملة، ثم التوعية العامة بمكانة المعلم، كونه صاحب رسالة سامية ينبغي أن تتكاتف الجهود، وتتظافر الإمكانيات حتى توليه حقه من الرعاية بمختلف مستوياتها، والاهتمام الخاص، وذلك نظير جهوده في تربية الأجيال، وصناعة قادة المجتمع.
٢- إعادة النظر في المناهج التعليمية الحالية، وغربلتها، وإخراج كل الغثائية منها، ورفدها بكل جديدٍ، ومتطورٍ، ومواكبٍ لعالم اليوم، بحيث تسهم في تخريج جيلٍ قادرٍ على العطاء، ممتلكٍ لكل المهارات الحياتية اللازمة له ليكون فردًا صالحًا يبني بلده، وينفع أمته.
٣- تأهيل وتدريب المعلم: بحيث تكون الإدارة العامة للتدريب والتأهيل من أنشط الإدارات التربوية في وزارة التربية والتعليم، فتعمل بكل جدٍ وتفانٍ وإخلاصٍ لأن يكون المعلم ممتلكًا لكل المهارات التدريسية، والقيادية، وممارسًا حقيقيًا للجودة التعليمية، وتوليه كل الاهتمام، والمتابعة المستمرة، والتقييم المتواصل لرفع مستوى كفاءته ومهاراته.
٤- عمل امتيازاتٍ تحفيزيةٍ لكل مدخلات كلية التربية: بحيث تسهم هذه الامتيازات إسهامًا فاعلًا في استقطاب ألمع الخريجين من طلاب الثانوية العامة للالتحاق بالكلية، وأقسامها المختلفة.
٥- إعادة تنظيم كلية التربية، وخططها، ومناهجها، ومعاهدها، بما يضمن تخريج معلمين أكْفاء، مزوّدين بكل الخبرات اللازمة، قادرين فعلًا على صناعة قادة المستقبل، وبما يحقق حلم هذه البلاد.
وهذا كله لن يكون واقعًا إلا إذا كان صاحب القرار لدية رؤية واضحة للعملية التعليمية برمتها، وواقعها الحالي، ثم قادرًا على اتخاذ القرار الصحيح الذي ينتشل كل مؤسسات التربية ومحاضنها من هذا العبث إن صح التعبير، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى إرادة سياسية داعمة، تقرر وتقدر مصلحة هذا الوطن الذي إن وجد الاستغلال الأمثل لثرواته وإمكانياته ومخزونه البشري لانتقل إلى مصاف الدول الراقية والحديثة في ظرف فترة لن تزيد على ربع قرن إن شاء الله.
والله من وراء القصد.
التربية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة