العُلومِ الدّينيَّةُ في عَصْرِ المَماليكِ ( الجزء الثالث)
د. محمد إمام أحمد مغربي | Dr. Mohammed Emam Ahmed Maghreby
12/06/2020 القراءات: 4086 الملف المرفق
ثانياً : العلوم الدينية في عهد الدولة المماليك :
إن أفضل ما نظر فيه خواص الملوك، وسلكوا إليه أفضل السلوك، بعد نظرهم في أمر الأمة، وقيامهم فيما استودعوه بالحجة, هو النظر في العلوم الدينية، والإقبال على الكتب التي صدرت عن شرائف الفهوم, فأمّا فضيلة العلم فظاهرة ظهور الشمس, عَريّةٌ من الشك واللبس. فمما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى: {... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [سورة الزمر . الاية 9 ] .
وأيضاً ما جاء في حديث النبي ﷺ : « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ » [ الترمذي ،سنن الترمذي، ج4 ، ص414 ، ح2682 ] .
والعلم يزين الملوك أكثر مما يزين السوقة, وإذا كان الملك عالماً صار العالم ملكاً . وقد جاءت كلمة العلم في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله الكريم ﷺ مطلقة، ودونما تقييد أو تحديد؛ فهي تشمل كل علمٍ نافعٍ يهدف إلى خير الدنيا وعمارة الأرض، وكل علمٍ يهدف إلى صلاح الناس .
• ويمكننا تقسيم العلوم إلى قسمين هما: العلوم الشرعية والعلوم الحياتية.
أما العلوم الشرعية فهي العلوم التي يُعرَف بها الله تعالى، ويُعرَف بها كيف تكون العبادة الصحيحة، ويشمل ذلك كل العلوم المتعلقة بدراسة الدين وفقه الشريعة.
وأما العلوم الحياتية فهي العلوم النافعة التي يحتاج إليها الإنسان ليصلح بها حياته، ويعمِّر بها أرضه، ويستكشف بها كونه وبيئته، وذلك مثل علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وغير ذلك من العلوم المشابهة.
ولقد إهتمام سلاطين المماليك بتدريس العلوم الشرعية التي أخذت قسطاً وافراً من الاهتمام من بين العلوم التي كانت سائدة في تلك الفترة ، وكان أول هذه العلوم علم القرآن الكريم وعلومه ، ثم علوم الحديث الشريف ، ثم علم الفقه وأصوله وغيرها ، فقد أهتم سلاطين المماليك ، بهذه العلوم ، وشجعوا العلماء والفقهاء على تدريسها في المراكز الدينية المختلفة .
ومن أهم العلوم الدينية:-
1- القرآن الكريم وعلومه .
أ – علم التفسير :
علم التفسير هو أحد العلوم الشرعية الأساسية المتعلقة بالقرآن الكريم . وهو علم يبحث في نزول الآيات والأسباب النازلة فيها ، واستخراج أحكامها وحكمها وإعجازها .
ولقد عّرف الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " بقوله : " التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ " [ الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ،ج1 ،ص75 ].
كان التفسير من أهم ما يدرس في معظم المراكز الدينية في العصر المملوكي ،ومن أشهر المفسرين من علماء العصر المملوكي الشيخ المعروف عبد الواحد بن عبد الكريم ، العالم الفاضل المفسر كمال الدين،صنف " نهاية التأميل في بيان أسرار التنزيل " وهو من أكبر التفاسير ، وتوفي في سنة 651ه – 1252م ، وله أيضا " المجيد في إعجاز القرآن المجيد " [ إسماعيل البغدادي ، هدية العارفين أسماء المؤلفين ، ج1 ،ص635 ].
والإمام الشهير أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ، شيخ الإسلام، مفخر العراق، صنف الكتب المفيدة منها " تفسير القرآن العظيم " في تسعة وعشرين مجلداً ، وكانت وفاته في سنه 654ه – 1256م ، وهو احد مشاهير المؤرخين في العهد المملوكي ، وهو صاحب كتاب " المنتظم " [ الذهبي ، سير أعلام النبلاء ،ج21 ، ص 366،365 ] .
ومن العلماء – أيضاً - الإمام ابن جماعة قاضي القضاة العالم شيخ الإسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد الحموي ، ولد بحماة سنة 639ه – 1241م ، وتلقي علم التفسير والفقه والحديث ، وله مصنفاف عديدة منها : " التبيان لمهمات القرآن " و" الفوائد اللائحة من سورة الفاتحة " و" تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام " ، وقد توفي سنة 733ه – 1332م [ ابن كثير القرشي، البداية والنهاية،ج 18، ص357 ] .
وكذلك ابن قيم الجوزية شمس الدين محمد بن أبي بكر الدمشقي ، وكان من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ، وصنف كتب كثيرة منها " التبيان في أقسام القرآن " ، وتوفي في سنة 751ه – 1352م [ المصدر السابق ، ج 18، ص523 ] .
والعالم المفسر ابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين وكنيته أبو الفداء ، له التفسير الكبير وهو من أشهر وأهم المؤرخين في العهد المملوكي وله كتاب " البداية والنهاية " في التاريخ ، وكانت وفاته في سنه 774ه – 1375م .
ومما سبق ندرك حجم الجهد الديني الذي بذله العلماء في تلك الفترة في مجال علم التفسير القرآن ، ونعتقد أن ذلك لم يكن يتأتي لهم لولا الازدهار الكبير والتقدم الواضح في كافة النواحي الدينية والعلمية في العهد الدولة المملوكية .
العلوم الدينية في عهد الدولة المماليك
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة