مدونة محمد كريم الساعدي


الاستحواذ الثقافي والهوية

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


19/09/2021 القراءات: 4105  


إنَّ عملية صياغة شكل وطبيعة ثقافة الآخر الجديدة قائمة أساساً على محو كل نتاجه الثقافي والفكري الذي لا يتطابق حسب فهمهم مع المرجع الثقافي الغربي ، وحقيقة الهيمنة كمفهوم ثقافي يأخذ عمقاً ابعد في إلغاء ثقافة الآخر أو دمجها في ثقافة المرجع الثقافي العالمي (الغربي)، وذلك بأن العملية تأخذ طابع الاستحواذ والسيطرة من أجل تغيير ملامح الهوية الثقافية المحلية . ، لذلك نرى بأن صورة العربي المسلم تأخذ ملامح أخرى في هذه الثقافة العالمية ، وعندما يذكر المسلم ذات الملامح العربية والشرقية ، تأتي منهم جاهزة ومعدة سلفاً تتطابق مع هويته كونه متخلف وبعيد عن الثقافة كون ثقافته المحلية قائمة على القتل والإرهاب وكون هذه الثقافة هي متجذرة وتعود الى طبيعته وقيمة أخلاقه ومنظومته الفكرية ، وبالتالي أصبح هذا الخطاب وصورته العالقة في ذهن الجمهور الغربي ، الذي هو صناعة المؤسسات المهيمنة بامتياز ، ملئ بهذه الأوصاف الدونية مقابل الصفات العليا صاحبة الحضارة للمواطن الغربي ، ومن هنا يجب على المواطن الغربي التسليم لهذه الأوصاف واعتناقها والاعتقاد بها ، وهي لم تأتي مباشرة ، أو تصنع في القرن الحالي ، بل هي نتيجة لما حفل به العقل الغربي وفكره المتعالي ضد الآخر العربي الشرقي المسلم . ومن هنا إذا أردنا ان نتأكد نحن العرب كمسلمين وشرقيين , نقرأ ما كتب عنا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وإذا أردنا ان نعرف مدى تطبيق الثقافة الغربية علينا كمرجع لتقليدها فلندقق في عدة جوانب ، منها : ان ما يُدرس في مدارسنا من لغات أوربية وغربية ليست فيها قصصنا وتراثنا وأخلاقنا وقيمنا ، بل ما يوجد هو القيم الغربية والأخلاق الغربية والعادات والتقاليد الغربية ، حتى ان الدارس العربي للغات الأوربية والأمريكية ، يلاحظ ان التغيير يشمل ملبسه ومأكله ، وكلما نذكر أمامه الثقافة العربية يستهجنها ويستشهد دائماً بالثقافة الغربية . ومن جانب أخر إذا أردنا ان نختبر صورة العربي في الثقافة الغربية ما علينا الا ان نقرأ مسرحية (عطيل) لشكسبير ونشاهد التمييز الذي يقع بحق (عطيل) الشرقي صاحب البشرة السمراء عن ثقافة المحيط الأوربي ، وكيف ان غيرته ، التي تُعد عيباً في الغرب قد قضت عليه ، وكيف ان عقله مغيب وهو قاتل البراءة الغربية المتمثلة بـ(دزدمونة) . كذلك إذا أردنا ان نرى ونتصور شكل البطل الغربي السوبرمان والمخلص نقرأ مسرحية (العاصفة) لشكسبير ايضاً ، أو رواية (روبنسون كروزو) للكاتب (دانيال ديفو) وهذه الإعمال وخصوصاً لشكسبير أصبحت من أوليات الدرس في مدارسنا وجامعاتنا وذلك لتأكيد مفهوم التفوق الغربي حتى في داخل المناهج الدراسية وتثبت صورة التفوق في عقول وأذهان أبناءنا والأجيال القادمة كما رُسخت هذه المعلومات فينا وفي من كانوا قبلنا ، لماذا لم تتناول المدارس وغيرها قصص من تاريخنا العربي في دراسة الأدب الانجليزي؟ ولماذا لم تدرس القيم السليمة التي يحملها المسلم العربي في المناهج الدراسية الغربية ؟ أم نحن يجب ان ننفذ ما يُطلب منا ويساق لنا ثقافياً وحضارياً دون ان نبحث عما في داخله ، وما ورائه من مقاصد ، فهل أدبنا قاصر ؟ أم غير جيد؟.
أن هذه التساؤلات وغيرها من حقنا ان نوجهها للأخر الغربي ونطلب منه تغيير الصورة السلبية عنا وعن رموزنا ومنهم (الرسول محمد ص) ، الذي أصبح مثار سخرية في الصحف الغربية ذات الحرية في التعبير، حتى على مقدسات الآخرين علماً إنهم علمونا ان الحرية في التعبير تنتهي عند حرية الآخرين وحدودهم الفكرية والدينية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها ، فلو كان الغربي جاد في بناء صورة جديدة عن الإسلام ورسوله وعن العربي الشرق أوسطي ، دون ان يكون هنا مقاصد خفية وراء استبعاد التغيير في المناهج الغربية ، واقصد المناهج التي تعدل من الصورة السلبية عن الشرق وحضارته وديانته ورموزه وأولهم الرسول محمد (ص) لكانت صور التعايش أفضل مما نشهده اليوم ، لكن من المستحيل ان تتغير صور الإساءة والتشويه التي جُبُل عليها الذهن الغربي ومؤسساته وسلطانه في كونها قائمة على نظام الهيمنة في رسم سياسات العالم نحو هدف محدد ، مفاده ان تبقى صور التعالي والتفوق باقية وفي مقابلها الانتقاص والإساءة والتشويه باقية ضد الآخر ، وما هيمنة الخطاب الغربي ثقافياً ومعرفياً ، هو صوره من صور الاستمرار بهذه الهيمنة ، وبالتالي إيجاد صورة سلبية أو ما يسمى بحسب المفهوم الغرامشي بـ(الحس العام) وهو مصطلح مطلق السلبية على وفق مفهوم (غرامشي) للهيمنة والذي جعل من المؤسسة الغربية قادرة على خلق أساطير للسيطرة على الآخر وتمكين سلطتها من بسط نفوذها وإرساء هيمنتها وحكمها بكافة المجالات ومنها الثقافية ، وبذلك استطاعت من خلق (حس عام) لدى مواطنيها عملت على تأكيده في رسم صورة الآخر ، بأنه مناقض وغير قادر على بناء نفسه فكرياً وثقافياً ، وهذه الصورة عملت على تأكيدها ايضاً في ثقافة الآخر نفسه وجعله يعتقدها فعلاً ، لذلك فأن مثال الحالة الثانية ، جاء على وفق ردود الأفعال التي لم تكن بالمستوى الحقيقي لازمة الرسوم المسيئة واكتفت الجماهير الشرقية والعربية المسلمة ، بالشجب والاستنكار ، دون الرد على هذا التشويه بأفعال حقيقية منها المقاطعة الاقتصادية والثقافية التي تجعل من المؤسسة الغربية تحاسب من قام بهذه الأفعال بشكل جدي ، لكن ردود الأفعال جاءت حتى على المستوى السياسي غير لائقة بهذه المصيبة الأخلاقية والإنسانية التي تعرض لها رسول الإسلام (محمد ص) ، وهي ليست الأولى على مر التاريخ ولا اعتقد بأنها الأخيرة ايضاً ، مادامت الهيمنة الثقافية مسيطرة علينا ، وكذلك مترسخة في ثقافتنا ، وغير قابلة للتغيير في الذات الغربية ومؤسساتها التي مازالت تسوق الصور المسيئة والمشوهة عن الإنسان الشرقي وأخلاقه وقيمه مستهدفة بذلك ديانته الإسلامية وخصوصاً عن العرب ، الذين اكتفوا بالشجب والاستنكار دون ان يطوروا وسائل الرد المناسب على هذه الإساءات ، بل حتى دون ان يفّعلوا قوانين ازدراء الديانات ، كما هو حاصل مع من يعتدي على (السامية/اليهود) عالمياً .


الفلسفة ، الفنون ، الآداب ، الثقافة ، الاستشراق ، ما بعد الكولونيالية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع