مدونة ا. د طارق هاشم الدليمي


العزلة والانتاج الفكري في زمن كورونا

ا.د طارق هاشم الدليمي | Proof.Dr Tariq hashim khamees


18/04/2020 القراءات: 4012   الملف المرفق


العزلة والانتاح الفكري في زمن كورونا.
.الاستاذ الدكتور طارق هاشم الدليمي / ١٤/ ٤/ ٢٠٢٠ منذ ان القى تفشي وباء كورونا ظلاله على كوكب الأرض في نهاية العام ٢٠١٩ وسكان الأرض يشعرون بالإكتئاب الذي تسببه العزلة .. انقلب صخب حياتهم الى هدوء ، وحركتهم الدائبة الى سكون ، وفاعليتهم في الأحداث الى عجز ووهن فاضح ، الا النزر القليل منهم من استطاع ان يستغل عزلته في ترتيب اوراقه واعادة النظر في نمط تفكيره واسلوب حياته .. الألماني الفذ " آرثر شوبنهور " لديه رؤية خاصة في عزلة الفيلسوف وموقف فلسفي يعكس نزاهته وصدقه .. " فإذا كانت تلك العزلة هي النتيجة الحتمية لمواقف الفيلسوف الناقمة على المجتمع الفوضوي الزائف ، وعلى كل الأفكار الخاطئة والآراء التي تحجب الحقيقة " فقد اعاد شوبنهور صياغتها لتصبح الفضاء الذي يحرر فيه الفيلسوف طاقته النقدية والثورية .. وبناء على مفهوم شوبنهور للعزلة ، فإنه ميز بين صنفين من المفكرين : ـــــ الأول : صنف يفكر لنفسه ويمثل الأغلبية .. الثاني : صنف يفكر لغيره من الناس ويمثل القلة. .. فالأول الذي يفكر لنفسه فإنه لايعتزل المجتمع ولكنه يعتزل قضاياه. فهو يشتغل على الحقيقة المزيفة أو لنقل تزييف الحقيقة. أما الثاني وهو الذي يفكر لغيره، فإنه يعتزل المجتمع لكنه لا يعتزل قضاياه، لأنه يشتغل على الحقيقة وحدها، وهو بذلك يخدم الحقيقة والمجتمع في نفس الوقت. وبهذا اقترن مفهوم العزلة الفلسفية عند شوبنهور بخدمة قضايا الإنسانية و لا شيء اخر غيرها .. واقع الحال الان ( للمفكرين طبعا ) هو ان هناك امكانيات لجعل العزلة أرضًا خصبة لتحفيز ما نسميه بالتحول الذاتي، وهذا ما أدركه الكثير ممن تعلموا فن البقاء لوحدهم فقد كان من نتائج اعتزالهم ( طوعياً او قسريا ) انهم طبعوا فكرهم في تاريخ البشرية بقوة ووضوح ( الغزالي ، دانيال دوفو ) ، ولكننا في المقابل نجد أولئك الذين يعيشون في حالة انصياع تام ( تفكير سلبي ) أي أنهم اختاروا نمط حياة ينسجم مع توقعات الآخرين لهم، بدلًا من تلك التي تنسجم مع مضمون دواخلهم ومقدماتهم الفكرية ، ومن هنا تبدأ شخصياتهم في النمو بطريقة ( لا ارادية ) متجهة فقط ومصممة لإرضاء الآخرين ، وفي هذه الأثناء نجدهم ينفصلون تمامًا عن احتياجاتهم العميقة ، وذلك نابع بلا شك من انهم يعيشون في حالة (عمى) تجاه مشاعرهم الحقيقية واتجاه غرائزهم، بالتالي فإنهم يشعرون في نهاية المطاف بأن حياتهم بلا معنى ، وبدلًا من توجيه انظارهم الى الحياة على أنها لوحة فنية تجريبية، تمنحهم الفرصة لاكتشاف ذواتهم الحقيقية، فإنهم، في المقابل، يتكيفون مع العوامل الخارجية بكل ما تحمله من توقعات الآخرين وآرائهم .. والآن ولكي لا أطيل ، علينا ان نسلِّم بأن الحاجة إلى العزلة ضرورةٌ إنْ كانت من تلك الأقلية من المفكرين الذين كرسوا حياتهم لعملية التفرد وعدم تقليد الآخرين في عزلة فوضوية بلا فائدة ، عزلة تجعل منا افرادا ايجابيين نسعى لأن نواجه الحياة بأقصى امكانياتنا . علينا ان نجد الزمان والمكان لننفرد مع افكارنا ، نتأمل ، نستكشف ، نبحث في صورنا الداخلية ، نمارس الابداع واقعا فعليا . علينا ان نتمرن على كيفية ان تجمعنا العزلة بالجانب العميق في ذواتنا ، لتمنحنا القدرة على اكتشافها ، ولتجيبنا عن تساؤلات من قبيل " ما الذي نريده من حياتنا ؟ " ، وتمنحنا القدرة على الانخراط في تحول ذواتنا باستخدام التعزيز الذاتي . ولتمنحنا العزلة الراحة (المؤقتة ) من هذا الاختلاط العبثي بكل هذا الارتباك الكوني والضجيج الفارغ ... هذه المتاعب التي انهمكنا بها والمتاعب التي تعصف بالعالم لها القدرة على تدميرنا وسحقنا ونسف صحتنا النفسية لا سبيل لمنعها وايقاف تأثيراتها كما تفعل العزلة ، فالعزلة و لا سيما في عالمنا هذا قدمت نفسها كمضاد حيوي وترياق فعال لجنون وفوضوية هذا العالم ...


العزلة - الانتاح الفكري- كورونا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


عندما قرأت منشورك الماتع أثار في داخلي جملة من المشاعر قد تفرقت بين الإعجاب والتساؤل إذ منذ سنة 2019/11 ينحو تناول موضوع كورونا، علميا، منحى لا ىتعدى الوصف والإحصاء. بل حتى موضوع التلقيح لا يتعدى ما لوحظ - وربما قد لاحظته أيضا - واقعا بهدف بلوغ الإطار المحدد والهدف المنشود ألا وهو «المناعة الجماعية». فإذا كان الأمر كذلك فلا غرو أن يسحب على جميع القطاعات منعكسا بآثاره عليها بما في ذلك حياة ونفسية الفاعل الرئيسي والمحوري فيه؛ "الإنسان".