مدونة أ.د.اخلاص باقر هاشم النجار
الـرقـابـة الشرعية ضـرورة مـلحة في الـمؤسسات الإسلامية
اخلاص باقر هاشم النجار | Prof.Dr.Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar
17/05/2020 القراءات: 4501
الـرقـابـة الشرعية ضـرورة مـلحة في الـمؤسسات الإسلامية
أ.د.إخـــلاص باقـــر هـاشـم النجـــــار
العراق / جامعة البصرة / الإدارة والإقتصاد
قسم العلوم المالية والمصرفية
من الناحية اللغوية إن الرقيب والمراقب والمراقبة هو من يقوم بالرقابة،ولا يختلف المعنى المراد في الرقابة شرعاً عن معناها في اللغة، فقد ورد استخدام اللفظ ومشتقاته في القرآن الكريم ، كقول الله تعالى : {{ إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ(27) }} سورة القمر، وقوله تعالى : {{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ (21) }} سورة القصص،وقوله تعالى : {{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) }} سورة النساء،والرقابة اصطلاحاً تعني وضع ضوابط شرعية مستمدة من الأدلة الشرعية ومتابعة تنفيذها، وتُعدُّ الرقابة الشرعية الأساس الذي يعتمد عليه المتعاملون مع المؤسسات لمعرفة مدى إلتزامها بالأحكام ،وبهذا المعنى فهي أوسع من مفهوم التدقيق الشرعي وتشمل الإفتاء والتدقيق،وقد تتداخل الرقابة والمراجعة وهيئة الرقابة،فالرقابة الشرعية تعني وضع الضوابط ومتابعة تنفيذها ، أما المراجعة فتعني متابعة إلتزام المؤسسة بالشريعة في أنشطتها كافة وتسمى أيضاً التدقيق الشرعي، وأما هيئة الرقابة الشرعية فمسؤوليتها إصدار الفتاوى والإشراف على عمل الرقابة الشرعية،وعليه فأن الرقابة الشرعية أعم من المفاهيم الأخرى لأنها تضم هيئة الرقابة والمراجعة،ولهذه الهيئة ولاية على المصرف كولاية القاضي في اختصاصه ، وولاية المحتسب في حدود صلاحياته ، ويجب أن يكون المراقب الشرعي من أهل التكليف أي الإسلام والعقل والبلوغ والاستقامة في الدين والصدق والأمانة والمروءة والعفة ، والتأهيل العلمي والخبرة بدقائق الأمور ليتمكن من الإفتاء والمراقبة ، وأن يكون المفتي قد مارس المهنة وتصدى لها وتمرس عليها ، فمن لم يتعود على الفتيا لا يسعفه ما يحفظ عند التصدي لها ، وأن يكون لديه إلمام بالقواعد المتبعة في المؤسسات المالية لتنفيذ العقود ، والقيود المحاسبية وطرق المراجعة والتدقيق وكيفية تطبيق الفتاوى عليها .
وتتكون هيئة الرقابة الشرعية من هيئة الفتوى التي تضم ثلاثة من علماء الشريعة المتخصصين في التعاملات المالية ومن جهاز الرقابة الداخلي لحفظ أعمال المصرف من المخالفات الشرعية ، كما وتمثل أحدى الفوارق الأساسية بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية ، لأن الأساس الذي دعت إليه المصارف الإسلامية هو تقديم البديل الشرعي للمصارف التقليدية وليس فقط الاكتفاء بالتحريم ، وأن السياسة الشرعية تمنع أي مؤسسة من تقديم خدماتها ما لم يكن لديها هيئة رقابة متخصصة في فقه المعاملات المالية ، وقد انتشرت أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان، والحسابات بأنواعها، والصيرفة الالكترونية والتجارة الإلكترونية وغيرها التي لا يوجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة ، وإن وجدت فإن المصرفيين القائمين على النشاط المصرفي غير مؤهلين لاستيعابها بسهولة ، وإن العمليات المصرفية في الاستثمار والتمويل تحتاج إلى رأي من هيئة الفتوى، نظرا لتميز هذه العمليات بالتغير وعدم التكرار مع كل مشروع يموله المصرف ، ومن ثم فأن العاملين في النشاط الاستثماري يجب أن يكونوا على إتصال بالرقابة الشرعية، لأنهم دائما بحاجة إلى الفتيا لحل المشكلات التي تواجههم أثناء عملهم ، كما وان وجود الرقابة يُعطي المؤسسة صبغة شرعية عند جمهور المتعاملين ، فضلا عن أن الأنظمة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية التي تعمل فيها المصارف الإسلامية هي أنظمة وضعية ولعل هذا يمثل اكبر التحديات التي تواجه أعمال المؤسسات الإسلامية، مما يجعل الحاجة للرقابة الشرعية ملحة للعمل بمبدأ الحلال والحرام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويندرج عمل الرقابة ضمن المقاصد الشرعية لحفظ المال ، فكل ما يحقق هذا المقصد هو من الأعمال المشروعة .
وبالتالي فأن هيئة الرقابة الشرعية ضرورة ملحة في المؤسسات الإسلامية،كونها تمثل القرار الشرعي بأبعاده الإقتصادية والاجتماعية والفكرية كافة ، لاسيما وأن معظم تخصصات الموظفين متمثلة في القانون والإقتصاد والمالية والمحاسبة والإدارة ،لتقوم بالدور الإقتصادي في إعداد العقود الإستثمارية ومراجعتها، وإعداد نماذج الخدمات ومراجعتها والمساعدة في دراسة الجدوى ، ودعم نظام الحوافز الإقتصادية والاجتماعية لما له من قيمة كبيرة في مسيرة الأداء الإقتصادي والاجتماعي للمؤسسات التقليدية بعامة والإسلامية بخاصة، لأنها الأكثر قدرة على قيادة العاملين نحو تحقيق أفضل النتائج ، فضلا عن الدور الاجتماعي الذي يتمثل في وضع الخطط الكفيلة بجمع الزكاة وإنفاقها على مستحقيها ، ودعم التعامل بالقرض الحسن لأغراض النمو والتنمية الإقتصادية وإدارة التبرعات للأغراض الإنسانية والتكافل الاجتماعي، من ثم ترشيد مسيرة الحياة لتتحقق للإنسان ذاته السوية في أبعادها الخاصة والعامة في وسطية واعتدال لحاجاته ، وأن تنعكس هذه الرؤية في معالجة المشكلات الإقتصادية والقانونية والاجتماعية والإدارية والمحاسبية ، في إطار فقه حضاري معاصر عبر قنوات التواصل المتعدد والمتجددة ، وبذلك ينتقل المصرف الإسلامي إلى ممارسة وظائفه بكفاءة أعلى ، مع اعتماد منهج علمي إسلامي في إدراك آليات التنمية الإقتصادية .
الرقابةالشرعية ، المصرف الاسلامي ، المؤسسات الاسلامية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة