قراءة لأطروحة "استنطاق الذّات والآخر في الرّواية النّسائيّة الجزائريّة المعاصرة" للطالبة بوختاش سناء
د. سناء بوختاش | Sana boukhtache
16/05/2019 القراءات: 6259
تعتبر ثنائيّة الذّات والآخر في الرّواية الحديثة من بين الثّنائيّات التي لاقت اهتماما كبيرا من طرف الباحثين، حيث كثرت الدّراسات التي فصّلت في ماهيّة هذه الثّنائيّة لمعرفة أهمّ معالمها ومؤثّراتها، وقد عالجت نصوص إبداعيّة كثيرة العلاقة بين طرفيّ الثّنائيّة في سيّاقات عدّة (السّياق الاستعماري، السّياق الاستعبادي، السّياق الدّيني، السّياق الجنوسي)، وهذا ما شكّل جدلا واسعا ونقاشا مستفيضا وسط النّقاد لاختلاف آرائهم وتعدّد مشاربهم وتنوّع زوايا نظرهم، ومن هذا المنطلق ارتأينا البحث في تجارب الرّوائيّات الجزائريّات، اللّواتي يكتبن باللّغة العربيّة بشكل مكنّهن من أن يصنعن لأنفسهنّ موقعا، ويثبتن لذواتهنّ حضورا في السّاحة الأدبيّة الجزائريّة.
هكذا تبلورت فكرة البحث من خلال مدوّنة تضمّ الأعمال الآتيّة: شطحات أنثى لـعيون ليلى، وسأقذف نفسي أمامك لديهية لويز، والرّايس لـهاجر قويدري.
حاولنا من خلالها تقصّي الذّات الأنثويّة في تداخلاتها، وتفاعلاتها، وعلاقاتها المتشابكة مع الآخر. واستقراء أهم ملامحها في كنه حضورها النّصيّ. لقد تركت الصّراعات والتّناقضات بصمتها على الضّمير الأنثويّ، ممّا أدّى بالذّات الأنثويّة إلى الحرص على تأكيد هويّتها والدّفاع عنها، ومواجهة الآخر الذي شوّه صورتها، من هنا جاءت أهميّة دراسة ثنائيّة الذّات والآخر، أمّا الإشكاليّة الرّئيسة التي انبنى عليها هذا البحث فهي كالآتي:
- كيف انعكست صورة الآخر في الرّوايات النّسائيّة الجزائريّة العربيّة؟ وكيف استلهمت الأنا الأنثويّة بكلّ الموروثات الثّقافيّة والاجتماعيّة والخلفيّات التّاريخيّة هذا الآخر ذا المعالم المتباينة والخصوصيّات المختلفة تارة والمتداخلة تارة أخرى؟ وهل استطاعت الكاتبة الجزائريّة المعاصرة الخروج عن المدار الفكري والثّقافي والذّاتي الذي رسمت معالمه نتاجات المؤسِّسات في مقاربتها لهذا الآخر؟
وقد تفرّعت من هذه الإشكاليّة عدةّ أسئلة:
- ما هيّ هويّة الذّات التي طرحتها وأسّست لها الأعمال الرّوائيّة النّسائيّة الجزائريّة المكتوبة باللّغة العربيّة؟
- هل تمثّل الألفيّة الثّالثة انعطافة جديدة في علاقة الذّات والآخر؟
- ما هيّ الأدوات التي توّسلتها الأقلام الرّوائيّة لتعبّر بها عن وعيها بالذّات والآخر؟
وسعيّا منّا إلى استجلاء أهم ملامح هذه العلاقة الثّنائيّة التي تمثّلت في بعديها التّضاديّ تارة، والتوحديّ تارة أخرى، وفي أشكالها المتعدّدة، فقد اعتمدنا الاشتغال على "الذّات الأنثويّة والآخر ورهانات الهويّة في رواية (شطحات أنثى) لـ: عيون ليلى" و"تمثيل الذّات وتقويض مركزيّة الآخر في رواية (سأقذف نفسي أمامك) لـ: ديهية لويز"، و"استنطاق التّاريخ المغيّب في رواية (الرّايس) لـ: هاجر قويدري"، ومن أهمّ النّتائج التي توصّلنا إليها بعد هذا الاشتغال:
1/ يشكّل النّظام الأبويّ محورا رئيسا في تقييد المرأة وقمع حرّيتها في كلّ الرّوايات، باعتباره أساس الكون ومصدر الفعل منذ الأزمنة البعيدة. لهذا ترسم الرّوائيّات لأنفسهنّ من خلال الكتابة، مسارات تجاوزيّة للسّلطة الفعليّة، والرّمزيّة، لثقافة الإرث الأبوي الذي كرّس الأنظمة السّياسيّة والأيديولوجيّة والعادات والتّقاليد.
2/ شكّل سؤال الهويّة والانتماء هاجسا لعلاقة الذّات بالآخر في الرّواية النّسائيّة الجزائريّة حيث يرتبط حضور سؤال الهويّة والانتماء بحضور الآخر المهيمن، أو البحث عن آخر مجهول يحدّد هويّة الذّات. فاستطاعت رواية (شطحات أنثى) لــ: عيون ليلى، ورواية (سأقذف نفسي أمامك) لـ: ديهية لويز، الكشف عن العلاقة المتوتّرة بين المرأة كذات منتجة للفعل، والآخر المتعدّد المهيمن على الفضاء الحكائي.
3/ تمثّل الكتابة الوسيلة التي تقتحم بها آمال بطلة رواية (شطحات أنثى)، ومريم بطلة رواية (سأقذف نفسي أمامك) عالمهما الإبداعي، ويسائلا بالكتابة الحياة في مساحاتها المغلقة عن الورطة الغريبة التي أوقعهما فيها القدر، عبر السّيلان الرّهيب لذاكرة حيّة تتشبّث بزوايا مظلمة، وكأنّهما خلقتا للألم فقط، ولا يخصّ الأمر المرأة في ذاتها، بل الرّجل أيضاً، وهما ذاتان اقتربتا من سؤال الوعي الثّقافي، وعلاقة الذّات بالآخر عبر طرح أحداث مؤثّرة، تسلّط الضّوء على قهر المرأة.
4/ تجاوزت رواية (الرّايس) لـ: هاجر قويدري لغة الهيمنة والاستعلاء، حيث تميّزت بـاستخدام تقنيّة تعدّد الأصوات التي تفسح المجال لممارسة التّعدّديّة في الحوار والمواجهة التي حدثت بين الذّات والآخر في الرّواية، وهو ما ساهم في تعزيز ثقافة الانفتاح حين استخدمت الرّؤى المتعدّدة في تقديم الذّات والآخر، وغيّاب البطل بالمعنى التّقليدي، واختفاء صوت الرّاوي العليم.
لتكون الكتابة في نهاية المطاف هي الجرأة الأكبر التي عوّلت عليها الكاتبات الثّلاث في التّمرد على السّلطة التي تجرّد المرأة من أنوثتها وذاتها، عمدت عيون ليلى إلى الكتابة لتحرير آمال من قبضة تلك العلاقة القمعيّة التي مارسها عليها والدها، وعمدت ديهية لويز إلى الكتابة لتحرّر الذّات الأمازيغيّة من الخطاب المؤسّساتي، في حين عمدت هاجر قويدري إلى الكتابة بتقنيّة تعدّد الأصوات لتتجاوز الهامش النّسوي إلى البحث في الإبداع النّسائي كقيمة جماليّة يطرح ثنائيّة الذّات والآخر والماضي والحاضر، باستدعائها التّاريخ العثماني ليكون استعارة رمزيّة لذاكرة كانت مسيّجة بحدود المهمّش.
بناء على ما تقدّم يمكن أن نخلص إلى أنّ أهم النّقاط التي تناولتها متون هذه الرّوايات حول موضوع الذّات والآخر، لا تخرج عن أمرين:
أولهما: الاشتغال على الذّات الأنثويّة وعلاقتها بالسّلطة الأبويّة المسيطِرة في إطار واقعي مرتبط بالزّمن الحاضر، وهو ما لمسناه في رواية (شطحات أنثى) لـ: عيون ليلى.
وثانيها: انتقلت بعض الرّوائيّات بموضوع الذّات والآخر من الأنا الأنثويّة وعلاقتها بالآخر الرّجل إلى البحث في الذّات الجزائريّة وعلاقتها بالمحدّدات التّاريخيّة عبر الغوص في دهاليز التّاريخ الجزائري، وهو ما تبيّن لنا مع روايتي سأقذف نفسي أمامك لديهية لويز، والرّايس لـهاجر قويدري.
الذّات، الآخر، الأنا، الهوية، المركز، الهامش، الهيمنة.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع