مدونة د محمد ايت عدي


مركزية التريبة الروحية في فكر الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله (ج 4)

الدكتور محمد ايت عدي | Dr MOHAMMED AIT ADDI


09/09/2020 القراءات: 2192  


تشخيص واقع الحركة الإسلامية:

ينطلق الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله في وضع مشروعه الإصلاحي من النظر والتأمل في واقع العالم الإسلامي وحركاته المختلفة، التي تعرف الانتكاسات المتتالية، والتقهقر المؤلم أمام كل المشاريع الاستعمارية وعواصف العولمة التهويدية. واقع مشردم تجتاحه فتن كقطع الليل المظلم، رغم أن العالم الإسلامي يزخر بأفكار كثيرة لكنها عاجزة عن سد الثغرات ولملمت الجراحات، وتوحيد الصفوف لإخراج الأمة من درك السبات. والاستمرار بالسير بها وفق هذا الواقع المرير مقامرة وانتحار، لأنه سير لا يراعي الظروف الجديدة، ويغلب عليه طابع الاستعراض بدل الاستنهاض، ويطغى فيه النداء بدل البناء. ويتساءل رحمه الله عن مكمن الخلل فيقول: من أين جاء الخلل؟
يعتبر رحمه الله أن الخلل كامن في أمرين رئيسيين:
الأول: المنهج المقلوب لدى بعض الحركات الإسلامية، حيث ينطلقون في الإصلاح من العمران إلى القرءان، بتقليد ما عند الآخر واسقاطه على العالم الإسلامي، بحيث يعطى الشكل الإسلامي لكن الجوهر خال من كل مقومات الإسلام، حيث يقول:" المنهج المعتمد لدى بعض إخواننا في الدعوة والحركة منهج مقلوب، ينطلقون فيه من العمران إلى القرءان على طريقة قياس الشبه،... ينظرون إلى ما عند الآخر من بناء فيقيسون عليه تشبيها وتخييلا ما يرون أنه يجب أن يكون عندنا، وينطلقون في البناء بل في التقليد، مع مراعاة إسلامية الشكل الخارجي، ويبقى الجوهر بعد ذلك يرشح بجاهليته، قال تعالى: ﴿ﭐﭐ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ (التوبة : 109)" .
والمنهج الصحيح كما يراه رحمه الله هو الانطلاق من القرءان إلى العمران، اقتداء بالمنهج النبوي في الدعوة والتربية والبناء، حيث بدأ بعمران الإنسان حتى عمران السلطان.
ويعتبر أن عمران الإنسان هو البناء الكفيل بإخراج الإنسان القرءاني المشار إليه في قوله عز وجل: ﭐ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ (التوبة: 18). والمقصود بالإنسان عنده الفرد والمؤسسة، والوجدان الذاتي والجماعي، وهو المجتمع والدولة.
أما عمران السلطان فهو البناء الكفيل بإخراج السلطان القرءاني المقصود به طبيعته القرءانية وعمقه النظامي المتجلي في قوله تعالى:ﭐ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ (الحج: 41).
ولكن لا تمام للعمرانيين إلا بالجمع بينهما ليحقق مقصد الاستخلاف الذي يمثل حسب قوله كل النشاط البشري ويستوعب كل أبعاده الكونية المعبر عنها في قوله تعالى:ﭐ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴾ (هود: 61).
فيكون من القرءان إلى العمران هو:" حركة البعثة الجديدة، حركة يديرها رب الكون، مجالها في الأرض وتقديرها في السماء، وتصميمها القرءان، ومنفذها الإنسان".
الثاني: الخلط الحاصل في مشاريع التجديد الإسلامي بين السياسي والدعوي، مما أدى إلى تضخم سياسي ولد نفسية صدامية تأبى النقد والمراجعة، بل زادت العمل الدعوي ضعفا وتقويضا. لكن إثارة هذا الإشكال حسب فريد الأنصاري رحمه الله يثير حساسية من جهتين: داخلية وخارجية، فالداخلية تتجلى في عدم استعداد بعض قيادات ومنظري الحركات الإسلامية لتقبل النقد الذاتي، والانغماس في العمل السياسي انغماسا جعل الحركات الإسلامية أشبه ما تكون بالأحزاب التقليدية ذات النفس الإسلامي، ويعتبرها رحمه الله أكبر خدعة تواجهها الدعوة الإسلامية المعاصرة، حيث حجرت سعة الدعوة إلى الله، وأصبح يقاس الانتماء إلى الحركة على الانتماء إلى الإسلام، والخروج منها خروج منه. والحل الذي اقترحه هو تأميم الدعوة إلى الله وتحريرها من كل انتماء حركي، بحيث تختص الحركات الإسلامية الحزبية بالاشتغال المؤسسي والتدافع الحضاري.
أما الحساسية الخارجية فتكمن في أن الخلط بين الدعوي والسياسي، أو ما يعبر عنه بعلاقة السياسي بالدعوي أو موقع المسألة السياسية من مشروع التجديد الإسلامي، إشكال يطرح في العادة من طرف المخالفين للمشروع الإسلامي من اللادينيين رغبة منهم في تجريد الدين من السياسة تجرد تضاد وتنافر تكريسا لفلسفتهم العلمانية.
وكل هذا كما يقرر فريد الأنصاري رحمه الله يدعو إلى نقد ذاتي ومراجعة فكرية عميقة تصحح المفاهيم وترتب الأولويات. فكثير من المفاهيم رسخت في أذهان الأجيال على أنها عقائد ثابتة، مع أنها مجرد اجتهادات تقبل الخطأ والصواب.
والحل الذي قدمه رحمه الله تعالى هو العودة إلى القرءان ودراسة مفاهيمه ومقاصده، وتحديد مراتب تشريعاته ومناهجه في التعامل مع حركة الكون ومتغيراته. ومن هنا كانت علة الفشل الأولى التي يجب رفعها هي إزالة الغبش الحاصل في المفاهيم والاصطلاحات، والخلط الواقع في ترتيب سلم الأولويات، وهذا هو المطلب الثاني.


فريد الأنصاري - مشروع - الإصلاح - التربية - الروحية - العمران - القرءان - الحركة الإسلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع