حقيقة العالم : الصفات والشروط
د. محمد عيسى أبو نجيله | MOHAMMED I. A. ABUNEJEILA
12/10/2020 القراءات: 1892
حقيقة العالم : الصفات والشروط
ثمة سؤال يفرض نفسه على ساحة المعـرفة والفكـر ؛ من هـو العالم الحقيقي ؟ أهـو من أدرك مبادئ معـرفة من المعارف وأسسها ؟ أم هـو من أدرك مبادئها وأسسها وأصولها وفروعها وجميع كلياتها وجزئياتها ؟ . وما حقيقة الإدراك ؟ أهو مقتصر على حفظ المسائل كما قررها العلماء السابقون ؟ أم ينبغي أن يضم إلى الحفظ فهم المسائل ومعرفة دقائقها ، وتبصر أسرارها ؟ .
لعله من الدقة أن لا نخلط بين الحافظ والعالم ؛ فمن حفظ المسائل والأصول والفروع ينبغي أن نسميها حافظاً ، أو حاملاً للعـلم ، أو وعاء علم ، وأن يقتصر لقب العالم على من أدرك مبادئ علم ما ، وأسسه وأصوله وفروعه ومسائله الكلية والجزئية إدراكاً يجمع بين الحفظ والفهم . وذلك لنفرق بين الموصوفين ، ولتتضح الأسماء والمسميات ، وتستبين المصطلحات والمفاهيم .
فلا ريب أنّ الحفظ وحـده ـ مع ما له من أهمية ـ لا يكفي لبناء شخصية العالم ؛ يمكن أن نستدل على ما قدمناه من ضوابط على بعض النصوص المقدسة ، ونصوص أخـرى بشرية ، فأما النصوص المقدسة فمن مثل قول الله ـ تعالى ـ : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اَ۬للَّهَ أَنزَلَ مِنَ اَ۬لسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخْرَجْنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخْتَلِفاً أَلْوَٰنُهَاۖ وَمِنَ اَ۬لْجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمْرٞ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞۖ ٢٧ وَمِنَ اَ۬لنَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالْأَنْعَٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۖ إِنَّمَا يَخْشَي اَ۬للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ اِ۬لْعُلَمَٰٓؤُاْۖ اِ۪نَّ اَ۬للَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌۖ ) [ سورة فاطر : 27 ـ 28 ] .
فقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا يَخْشَي اَ۬للَّهَ مِنْ عِبَادِهِ اِ۬لْعُلَمَٰٓؤُاْۖ ) يثبت حصول خشية العلماء من الله ــ والخشية نوع من الخوف ــ وجاء هذا الخبر بعد ذكر آيات الله الكونية التي يراها كل الناس ويدركونها ، فمنهم من يدركها إدراكاً شكلياً من غير معرفة أسرارها ، وفهم حقيقتها وهذا إدراك العامة ، ومنهم من يدرك كنهها وأسرارها وهم العلماء ، فتتحقق لهم بهذا الفهم الزائد ، والمعرفة الخاصة الخشية من الله ، فالخشية مبنية على علم من نوع خاص يتعدى مجرد الإدراك السطحي .
ومن النصوص التي نستأنس بها كذلك ، وننطلق منها إلى النتيجة التي قررناها آنفاً ما روى عبد الله بن مسعود عـن الرسول صلى الله عليه وسلم : ( نضَّرَ اللهُ امرءًا سمع مقالتي فوَعَاها فبلَّغَها ، فإنَّهُ رُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه ) " صححه ابن حجر العسقلاني " .
وما روي عن جابر بن عبد الله أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تلا هذه الآيةَ (( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )) فقال: ( العالِمُ من عقَلَ عن اللهِ تعالى فعمِل بطاعتِه واجتنبَ سخَطَه ) .
فنستنتج من الحديثين أنّ ثمة فرق بين حامل الفقه والعلم والفقيه العالم ، وأنّ العالم الحقيقي هو من يعقل المعلومات لا من يحملها ويحفظها ، وما العقل إلا الفهم العميق الدقيق الذي يُسمّى فقهاً . ومن الصفات الأخرى التي يشترط اتصاف العالم بها أنْ يعمل بمقتضى ما فقه من العلم ، لا أن يقتصر على الحفظ والفقه ، فإنّ الغاية من العلم أن ينتفع به صاحبه أولاً ، ولا يتحقق هذا الانتفاع إلا بالعمل مع الإخلاص .
وخلاصة الكلام أنّه ينبغي أن لا نطلق مصطلح العالم إلا على من تحققت في شخصيته صفات العالم وهي : الحفظ والفقه والعمل بعلمه ، مع الإخلاص .
العالِم ، صفات العالم ، شروط العالم ، الفهم ، الفقه ، الحافظ .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
السادة العلماء والخبراء والباحثين آمل منكم إثراء الموضوع بآرائكم وملاحظاتكم لأنتفع بخبراتكم . ولكم جزيل شكري .