قراءة سريعة في مقترح تعديل قانون العقوبات العراقي
د. احمد جابر صالح | Dr. Ahmed Jaber Saleh
28/03/2024 القراءات: 953
قراءة سريعة في مقترح تعديل قانون العقوبات العراقي
ان مقترح تعديل قانون العقوبات بصدد استحداث جريمة جديدة هي: (جريمة عقوق الوالدين) يعاقب عليها بعقوبة (الحبس أو الغرامة)، وهو ترجمة لنزعة مشرعنا نحو معالجة هكذا سلوكيات بأدوات القانون الجنائي المتمثلة التجريم والعقاب. وما يمكن إيراده من ملاحظات بهذا الصدد هو ان التعديل المقترح قد جاء بنموذج قانوني لهذه الجريمة من النوع الفضفاض (غير المحدد) وبالشكل الذي يتعارض مع مقتضيات مبدأ الشرعية الجنائية الذي يهدف لضمان تحقيق اليقين القانوني من خلال الالتزام بصياغة نصوص التجريم بشكل محدد ومنضبط، بحيث يحصر فيها – بشكل واضح – ما يعد مجرماً من السلوك وما سواه مباحاً.
فقد ذكرت المادة المقترحة: (كل من قام بعقوق والديه ...) ثم بينت - على سبيل المثال لا الحصر - صور هذه الجريمة وهي: (الإهانة أو الصياح أو التبرؤ أو الترك)، ثم فتحت هذه المادة الباب على مصراعيه للاجتهاد والقياس بذكرها عبارة (... أو غير ذلك)، أي غير ذلك من صور السلوك التي لم يُنص عليها ويمكن أن تتحقق بها هذه الجريمة، مما يعني ان شق التجريم لم يتحدد بشكل منضبط، وهو ما يترك المجال أمام القاضي للاجتهاد بالشكل الذي يمس بحقوق وحريات الأفراد، وهو أمر منتقد على وفق ما تقرره السياسة الجنائية الحديثة.
وفضلاً عن ذلك، فان التعديل المقترح قد تضمن إضافة مادة جديدة وهي (المادة 384 مكرر)، في حين كان مقترح اللجنة هو إضافة (فقرة جديدة على هذه المادة)، الفرق بين التعديلين لم يقتصر على مجرد استحداث مادة جديدة أم مجرد إضافة فقرة للمادة النافذة، بل قد تعدى الفرق إلى الأحكام الإجرائية التي تحكم هذه الجريمة. ومن خلال تحديد هذا الفرق تتضح أهمية الاختيار بدقة وعناية لأحد هذين التعديلين المقترحين وترجيحه على الآخر.
فمقترح (إضافة المادة 384 مكرر) يجعل جريمة عقوق الوالدين من جرائم الحق العام، فيجوز تحريكها حتى بدون شكوى من المجنى عليه، ولا يجوز التنازل عنها أو الصفح فيها، وهذا بعكس التعديل المقترح من اللجنة بإضافة فقرة لهذه المادة والذي أجاز التنازل عن هذه الجريمة من قبل المشتكي وما يترتب عليه من انقضاء الدعوى الجزائية قبل صدور الحكم فيها، كما وأجاز الصفح عن المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، فيوقف تنفيذ الحكم فيها.
أما بخصوص التعديل المقترح للمادة (11) عقوبات فقد جاء ترديداً لأحكام المادة (63) من الدستور، عدا الفقرة (4) من هذه المادة المعدلة فقد استحدثت حكماً جديداً قررت فيه عدم جواز توقيف عضو مجلس النواب أو اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده بالنسبة لجميع الجرائم – عدا ما ذُكر في الفقرات (1و2و3) من هذه المادة – إلا بعد استحصال موافقة رئيس مجلس النواب ونائبيه (هيئة الرئاسة). وهذا الحكم المستحدث قد يكون مقبولاً – على أية حال – رغم تعارضه مع قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي فسرت فيه (الحصانة البرلمانية) تفسيراً واسعاً. وفضلا عن ذلك، فقد جاءت هذه المادة المقترحة بالفقرة (ثالثاً) منها مقررتاً حصانة القضاة.
وبخصوص المادة (226) التي طالما أثارت الجدل، فقد كان مقترح اللجنة بتعديلها يتلخص باعتماد المصطلحات والتعابير المستخدمة في الدستور والقوانين النافذة حالياً، بدلا من المصطلحات والعبارات القديمة (كمجلس الأمة مثلا)، مع الأخذ بنظر الاعتبار ان التعديل المقترح قد انخفض بالعقوبة إلى (الحبس أو الغرامة)، في حين أن المادة النافذة حالياً تعاقب على هذه الجريمة بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات أو الحبس أو الغرامة.
وقد أضاف هذا التعديل المقترح إلى المادة (226) الفقرة (ثانياً) والتي أوردت حكماً مهماً بإباحة كل قول أو فعل يمارس في إطار حرية التعبير عن الراي بحدودها الدستورية والقانونية أو حق نقد السلطات العامة، وقيدت إباحة هذه الأفعال بتوافر (قصد تقويم الأداء أو إبداء المظلومية) لدى الفاعل، وهو أمر تختص بإثباته محكمة الموضوع. وما يمكن الوقوف عنده بهذا الخصوص هو ان صياغة مقترح تعديل هذه المادة ينطوي على غموض وعدم الدقة في تحديد الخط الفاصل بين السلوك الذي يُعد إهانة فيعاقب عليه القانون، وبين السلوك الذي لا يُعد كذلك فيكون مباحاً، وهذا الغموض يجعل تحديد السلوك المجرم والمباح بيد القضاء عند نظره الدعوى وليس بيد المشرع عند وضعه للقانون، وهو ما يُشكل مساساً خطيراً بحقوق الأفراد والحريات، فلا يعلمون موقف القانون من سلوكهم إلا بعد صدور حكم من القضاء، وهو ما ينفي الغاية الجوهرية من وجود التشريع.
أما ما يتعلق بالمادة (4) من التعديل المقترح، فالملفت للنظر ان نصها جاء كالآتي: (ينفذ هذا القانون من تاريخ التصويت عليه في مجلس النواب)، وهي سابقة لم تألفها التشريعات، ولا تنسجم مع فن صياغة النصوص التشريعية، والأهم من هذا ان النص المقترح يُعد خروجاً على مبادئ الدستور وتحديداً ما تقرره المادة (129) منه من أن (القوانين تُنشر في الجريدة الرسمية)، فضلاً عن أن: (القوانين يُعمل بها من تاريخ نشرها)، أما ما ورد في ذيل هذه المادة الدستورية من عبارة: (ما لم يُنص على خلاف ذلك) فان المراد منها هو جواز النص في القوانين على تاريخ معين للعمل بها بشرط أن يكون هذا التاريخ لاحقاً لنشرها لا سابقاً عليه، وذلك لضمان علم الكافة بأحكام القانون قبل تطبيقه عليهم، وإن كان هذا العلم مفترضاً، ومنعاً من تطبيق قانون غير منشور أو العمل بقوانين ذات صفة سرية أو غير معلنة. لذلك كان المقتضى أن يقرر التعديل المقترح بأن ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وليس من تاريخ التصويت عليه في مجلس النواب.
دكتور أحمد جابر صالح
تدريسي في كلية القانون
تعديل، صياغة، جريمة، استحداث، عقوبة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع