لماذا لم يكثر المتقدمون التأليف في علم المقاصد الشرعية؟ (وجهة نظر)
د. محمد أرارو | Dr. mohamed ararou
26/09/2020 القراءات: 3365
وقفة تأمل:لماذا لم يختص بالبحث في مقاصد الشريعة من المتقدمين إلا القليل عكس أهل زماننا؟؟؟
إن المتقدمين من علماء الفقه وأصوله لم يتكلم منهم في مقاصد الشريعة إلا النزر اليسر، وإن كانت المقاصد هي روح التشريع، وكانت موجودة منذ عصر الرسالة والصحابة، وحاضرة في ذهن أئمة المذاهب والفقهاء المجتهدين، ومن الناحية التطبيقية مستعملة وموجودة من خلال أقوالهم وفي ثنايا كتبهم.. لكن تخصيص البحث فيها على انفراد وعنونتها بالعناوين الرنانة كما في عصرنا الحاضر، فهذا أمر لا يكاد يوجد بهذا الكم وعلى هذا الكيف المهول المخيف.. إن الذين اختصوا بالحديث في المقاصد والمصالح يعدون على رؤوس الأصابع من طفاحل العلماء والجهابذة منهم أمثال الحكيم الترميذي، والقفال الشاشي الكبير الشافعي، وإمام الحرمين الجويني، وحجة الإسلام الغزالي، وسلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، وعلامة المالكية القرافي، والإمام الشاطبي، وأمثال هؤلاء من القلائل... ومن جاء على شاكلتهم من بعض رموز العلم والفقه من المتأخرين كالطاهر ابن عاشور، وعلال الفاسي رحم الله الجميع.. أما في زماننا فالكل يتحدث في علم المقاصد والمصالح، بحثا وتأليفا وتحقيقا وتدريسا...، وكأن الكل أصبح فقيها أصوليا مجتهدا حتى يمنح وسام الحديث في علم دقيق جليل القدر عظيم النفع هابه جهابذة المتقدمين وعباقرة الفقه والأصول!!! فيا ترى أين الخلل؟ إذ كيف يجرؤ من لا ناقة له ولا جمل في علم الفقه بله أصوله الذي هو فلسفة الفقهاء، ومنهجهم الذي يرسم طريق اجتهاداتهم، وكيفية تنزيلهم لأحكام الشرع الحكيم على أفعال العبد الذي هو مهمتهم، على الخوض في هذا البحر المتلاطم الأمواج؟؟؟ كيف يتخصص في مقاصد الشريعة من لا يدرس في أصول الفقه إلا ورقات معدودة لا تتعدى 100 صفحة؟ لا يستطيع حتى معرفة مصادر أصول الفقه ومدراسه ومناهج الأصوليين؟ إن السبب في انتشار البحث بهذه الكيفية وعلى هذا الشكل المهول المخيف في علم المقاصد والمصالح، يرجع من وجهة نظري إلى عدة أسباب منها: 1. استهانة من ينتمون للبحث الأكاديمي في الجامعات والمراكز وغيرها من أساتذة وطلبة بهذا الجانب، وظنهم سهولته وأنه يمكن الخوض فيه بلا حاجة لدراسة أصول الفقه دراسة معمقة، والدليل على ذلك أن الطلبة في الجامعات لا يدرسون من أصول الفقه وعلم المقاصد إلا ورقات معدودة وملخصات وكتبا معاصرة صغيرة في هذا المجال، ثم يختصون في علم المقاصد اسما لا مسمى!!! 2. خوض غير المختصين في علوم الشريعة في المقاصد والمصالح ودعوى تحكيمها في كل نازلة جديدة تحدث دون مراعاة لآراء الفقهاء وطريقتهم في الاجتهاد والتنزيل، حتى أصبح الكل فقيها بلا فقه، وأصوليا بلا أصول، ومقاصديا بلا مقاصد، وهذا من أخطر الأبواب التي يدخل منها من يريد هدم أحكام الشريعة.. 3. ظَنُّ البعض أن مجال الشريعة مجال مفتوحا أمام الجميع بلا ضوابط تضبطه، ولا قوانين تقننه، جاهلا أو متجاهلا أن للشريعة أصحابها، وللفقه أهله، وللأصول علماؤه، كما أن للطب الأطباء، وللفلسفة الفلاسفة، وللسياسة السياسيين... إن علماءنا رضي الله عنهم شددوا في شروط الاجتهاد والإفتاء ولم يدعوا الباب مفتوحا للجميع، بل خاص بمن توفرت فيه تلك الشروط، ووجدت فيه تلك الضوابط العلمية، بالإضافة إلى إلمامه ومعرفته بفقه الواقع والأولويات والتنزيل، لأن الفتوى تأتي حسب الشخص والزمان والمكان والمجال.. وهذا لا يعني أنه لا يوجد في عصرنا متخصصون لهم الأهلية للخوض في هذا المجال، بل هناك علماء أكفاء من أمثال الشيخ عبد الله بن بيه، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله، والشيخ يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد الريسوني وأمثالهم... وفي الأخير فإن هذا يبقى مجرد رأي ظهر لي من خلال ما أشاهده من تهافت مخيف على هذا الميدان الدقيق من علوم الشريعة.. والله أعلى وأعلم وهو ولي التوفيق والسداد..
وقفة تأمل مقاصد الشريعة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف