مدونة محمد عيسى أبو نجيله


مفهوم العلم في اصطلاح العلماء

د. محمد عيسى أبو نجيله | MOHAMMED I. A. ABUNEJEILA


17/09/2020 القراءات: 12721  


مفهوم العلم في اصطلاح العلماء :
بالنظر إلى تعريفات أهل الاختصاص نلاحظ أن العلماء اختلفوا في تعريف العلم بسبب اختلاف نظرتهم ومقصودهم ؛ فمنهم من عرف العلم الذي هو الملكة والقدرة البشرية فقال : " ملكه يقتدر بها على إدراك الجزئيات "
وقال المناوي في تعريف العلم : " هو حصول صورة الشّيء في العقل " . وهذا التعريف ـ على ما يبدو ـ يشير إلى إدراك المعلومة بطريقة بسيطة من غير إدراك حقيقة المعلوم وكنهه ، وهو بذلك مرادف لمعنى المعرفة ؛ إذ المعرفة إدراك صور الأشياء أو صفاتها أو سماتها وعلاماتها ، أو المعاني المجردة ... .
ومنهم من عـرف العلم بالنظر إلى أنه عملية إدراك المعلومات كقولهم : " العلم هو إدراك الشيء أو المعنى على ما هو عليه في الواقع " . ومعنى ذلك أنّ العلم هو عملية إدراك المعلومة بصورة صحيحة مطابقة للواقع ، مكتسبة بدليل قطعي أو ظني راجح ؛ فإن لم تدرك المعلومة وتعـرف بصورة مطابقة للواقـع فليست عـلماً وإنما هي جهل ، وهـذه إشـارة إلى نوع من الجهل الذي يدرك فيه الإنسان المعلومة إدراكاً مخالفاً لحقيقتها وواقعها .
ويمكن أن نفهم من هذا أنّ العلم ما كان مبنياً على دليل قطعي أو ظني راجح ، أما إذا كان مبنياً على الشكِّ أو الوهم فلا يعدّ علماً ، فهذا ميزان دقيق يعرف به العلم من نقيضه لا يعرفه كثير من الناس ، ونجد في عصرنا هذا كثيراً من المنتسبين إلى العلم ، والمتوسمين بالثقافة والفكر مَـن يجهل هذه الحقيقة أو يتجاهلها ، ويعرض عن ذلك الميزان أو يعطله فيخرجون علينا في وسائل الإعلام أو التواصل " الإنترنت " ليخبطوا خبط عشواء ، ويتنكبوا تنكب البلهاء فيخلطوا قليل المعرفة بكثير الوهم ، ويمزجوا قطرة من العلم ببحر من الجهل ، ويُلبِّسوا على عامة الناس ، ويُبدّلوا المفاهيم ، ويضللوا المستمعين . وقـد وجدوا من وسائل الإعلام من يزين لهم أباطيلهم ، وينشر أكاذيبهم ، ويرفع من شأنهم لتجتمع القلوب حولهم ، وتمتلئ العقول بتزيفهم بغية تحقيق مآرب خبيثة ، وأهداف رخيصة لا تخدم إلا أعداء الأمة .
وبناء على ذلك فإننا بحاجة إلى العلماء المحققين الحقيقيين ليبينوا الحقّ الذي طُمِس ، ويكشفوا عـن العلم الذي اندرس ، وليوقفوا تيار الجهل المندفع ، ويصدوا موج التخليط المصطنع ، ويدافعوا عن ميراث الأمة المستهدف ، ويُعلوا بناء الحق الذي فيه ، ويغربلوه من الهنات والزلات ، ويدفعوا عنه الشبهات ، ويُتِموا بناء صرحه الشامخ .
ومن العلماء من عرف العلم بالنظر إلى ذاته ؛ قال العضد الإيجيّ : العلم صفة توجب لمحلّها تمييزاً بين المعاني لا يحتمل النّقيض . فالتركيز في هذا التعريف على صفة العلم التي يتصف بها الإنسان ـ " محلها " ـ فتجعل هذه الصفة الموصوف بها قادراً على التمييز بين حقائق الأمور ودقائقها تمييزاً واضحاً لا لبس فيه والعلم بهذا المفهوم الدقيق ليس مجرد إدراك المعلومات بطريقة سطحية وإنما هو عملية إدراك مقرونة بالفهم الدقيق المثمر الذي يجعل من العالم قادراً على التمييز بين المعلومات المتقاربة من غير خلط أو تشويش أو تناقض .
ومحل العلم الذي هو العالم بهذا المفهوم ليس حاملاً للعلم فحسب وحافظاً للمعلومات ؛ إنما العالم من فهم المعلومات وفقه حقيقتها ، وأثمرت لديه قدرة على التمييز بين دقائقها وحقائق مدلولاتها .
وهذه هي الصفة التي يمتلكها العلماء الحقيقيون الذين يدركون بواطن الأمور بالإضافة إلى ظاهرها ، ويعلمون ألباب الأشياء مع قشورها ، وهو العلم الحقيقي الذي يحمله الراسخون ، وخلاف هذا العلم علم سطحي أشار إليه القرآن ووصف أصحابه بأنهم لا يعلمون ؛ قال الله ـ تعالى ـ :  ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون  .


العلم ، اصطلاح ، القطعي ، الظني ، العالم الحقيقي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع