مدونة الأستاذ الدكتور لخضر بن الحمدي


محددات هوية وفكر الشعب الجزائري

أ.د لخضرحمدي لزرق | Dr.lakhdar ben hamdi lazreg


23/06/2019 القراءات: 2210  


الخطبة الأولى
أما بعد: سلامة الأفكار في المجتمعات، مطلب مهم وملح، تتنافس الأمم في تحصيله، وتتدافع من أجل نيل الحظ الأوفر منه، ولعل الحصانة المرجوة من خلال ذلك؛ تعد من أهم ما تدافع الأمة به عن نفسها.
لا جرم أن يُوجد في زماننا هذا - وهو المليء بالحوادث والمتغيرات- أنواع من الأفكار الموبوءة؛ التي يعمل أصحابها على إنفاذ مشاريعهم المختلفة، إرادة للإفساد، والقضاء على مقدّرات الهوية، ومكتسبات الاستقرار والتوافق.
اللَّوَث الفكري، عامل مهم ومؤثر، يعمل كفيروس، إذا سرى في مقدرات أمّة ما، هددها تهديدا، سيقضي عليها يوما قضاء مبرما.
أيها الشاب المؤمن: أعلم أنك في فوهة المدفع، تواجه أنواعا شتى من تلك الأفكار؛ التي تستلهمها عبر وسائل شتى، أصبحت في زمننا اليوم أقرب ما يكون إليك، تلازمك في كل وقت، وتخبرك في كل حين.
ولا مناص من مواجهة تلك الأفكار متى ما كنت قويا أبيا، تحمل بين جنباتك ملامح التصدي والرفض، وبين جوانحك قوة هادرة، وسلطانَ علم ووعي ومعرفي قائم.
ستسألني أنت أيها الشاب، وسيعتليك أنت أيها الأب، وأنتِ أيتها الأم فورة الاستفهام، والسؤال: عن أيّ أفكار تتحدث يا أيها الناصح.
سأقول إنّ الأمة الجزائرية -كغيرها من أمم المغرب العربي- يقوم على تحديد مقدراتها الفكرية، التي ينبني عليها مقرر الهوية والانتماء، ألا وهي-كما قال قديما الإمام عبد الواحد ابن عاشر في منظومته، لماّ أراد بيان موضوع نظمه- فقال:
في عقد الاَشعري وفقه مالك ..وفي طريقة الجنيد السالك
فأصول الهوية والانتماء لهذا الصقع من المغرب العربي، ومنه المغرب الأوسط وهو الجزائر، هذه الثلاثة التي ذكرها الناظم:
من جهة العقيدة، فالناس في مجملها تدين بما عليه أبو الحسن الأشعري من أن الله تعالى هو الصانع، وأنه تجب له أوصاف الكمال كلها، وتنفى عنه أوصاف النقص كلها، وأن الجنة حق، والنار حق..وأن المسلم بيقين لا ترفع عنه ظلة الإسلام إلا بيقين؛ وأنى للإنسان ذلك، وأن المؤمنين إخوة إلى غير ذلك من جمل العقيدة المنصوص عليها في كتب الأشعرية.
ومن جهة الفقه؛ فالناس أيضا في هذا الصقع، تدين للإمام مالك في المتابعة، وتعمل بمذهبه في شتى فروع الفقه، في العبادات، وفي أحكام الأسرة، وفي المعاملات من بيوع وإجارة وشركات، إلى غير ذلك من أبواب الفقه المعروفة.
ومن جهة أعمال القلب، والسلوك، والتزكية، فالناس في هذا الصقع تدين لطرق شتى من طرق التصوف، من رحمانية، وتيجانية، وقادرية، وشاذلية، وغيرها، وهي كلها تنطلق مما أصله الإمام الجنيد، والحارث المحاسبي ومعروف الكرخي، وغيرهم من أرباب التصوف وأهله.
أخي أيها المؤمن: فهذا الثالوث الفكري يعد مقدرا مهما، نستطيع من خلاله أن نحمى عقول أمتنا، ونحفظ للشعب مكاسبه الفكرية، من لحمة واجتماع، وتفتح على الآخر، وتعاون مع الطوائف الأخرى كيفما كانت.
يقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
أقول هذا القول...
الخطبة الثانية
أما بعد: أيها المؤمن القوي: فمن جاءنا وأمرنا جميع من أجل تشتيت شملنا بدعوى أن أهل السنة والجماعة هم الطائفة الفلانية أو الطائفة الفلانية، فإننا سنضرب على يديه بقوة، ونعلمه بأن الثالوث الفكري لهذه الأمة هو ما ذكرت سابقا، وأنه لا يمكن لأي كان أن يزحزحنا عنه، وأن المفارق لهذا المسمى - إن كان نافعا اليوم - هو المدعي لا المدّعى عليه.
ومن جاءنا ليرمي بيننا حمولات فكرية غريبة عنا، كأن ينشر بيننا أعلاما للفقه، تفتي بما هو بعيد عن عين نظرها، قلنا له إن لنا أعلاما أقوم سبيلا، وأعلم فقها، وإن العالم متى ما كان ملاصقا لواقع المستفتين، كان أعلم وأفقه وأبصر بما يريده المستفتي.
وهكذا يستطيع الشاب أن يصون نفسه عما يلابسه من أفكار، ويمحصها، وينظر فيها بالنظر إلى تلك القاعدة، قاعدة الثالوث المرعية...


محددات، الهوية، الفكر، الشعب الجزائري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع