مدونة .. أ. د. خالد عبد القادر منصور التومي
الكلمة الطيبة .. سياسة المُتكلم و دبلوماسية المعنى و رسول المضمون (الجزء الأول)
أ.د. خالد عبد القادر منصور التومي | Prof. Dr. Khaled A. Mansur Tumi
10/05/2019 القراءات: 5170
السلام عليكم و رحمة الله ،،،
الكلمة الطيبة .. سياسة المُتكلم و دبلوماسية المعنى و رسول المضمون ،،،
أخوتي الأعزاء ،،
أسعد الله يومكم بكل خير ،
يقول الله العزيز الحكيم في مُحكم التنزيل .. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25( .. سورة إبراهيم.
هناك كلام يُطيب القلب .. كلام يُجبر الخاطر .. كلام يرفع المعنويات .. كلام يُمتن العلاقات .. كلام يدعو إلى التفاؤل .. الكلمة الطيبة لها جذور عميقة جداً؛ متعلقة بمنهج الله؛ متعلقة بعلة وجودك في الدنيا؛ متعلقة بالآخرة؛ حيث تنطلق الكلمة الطيبة من مبادىء و من قيم و من مُثل و من كمال و من صلتك بالله عز و جل.
لهذا سيظل للكلمة أثرها الفعال في تغيير أفكار الناس و أمزجتهم و مشاعرهم و واقعهم، و ذلك إذا استوفت شروطاً مُعينة، و ليس أدل على رفعة مكانة الكلمة في حياة البشر من أن الأنبياء .. عليهم الصلاة و السلام .. كانوا يجيدون استخدامها في التعبير عن الحقائق الراسخة و الربط بينها و بين واقع البشر و رصيد الفطرة المتبقي لديهم .. فهذا سيدنا نوح .. عليه السلام .. يجادل قومه باستفاضة حتى ضج قومه من ذلك حين قالوا .. قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا .. هود 32 ..، و هذا سيدنا إبراهيم .. عليه السلام .. يكرمه الله تعالى فيهبه من قوة الحجة ما يفحم قومه .. وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ .. الأنعام 83 ..، و هذا سيدنا موسى .. عليه السلام .. يقول .. واحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي .. طه 27،28 ..؛ ثم يطلب من الله تعالى أن يتفضل عليه بإشراك أخيه هارون معه في التبليغ لفصاحة لسانه حين يقول .. وأَخِي هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ .. القصص 34 ..، و الله تعالى يقول لخاتم أنبيائه سيدنا محمد .. عليه أفضل الصلاة و السلام .. وقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً .. النساء 63 ..، و كل ما تقدم من الآيات الكريمة ما هو إلا قبس مما نسبه الباري عز و جل لذاته حين قال .. قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ .. الأنعام 149.
و من هنا نستشعر أن حُجج النبيين و مضامين خطابهم للخلق في الأصول هي واحدة؛ مما يجعل جذور الكلمة الطيبة ضاربة في أعماق الزمن من لدن نوح .. عليه السلام .. إلى خاتمهم سيدنا محمد .. صلى الله عليه و سلم .. و هذا يجعل حركة التاريخ كلها في سياقٍ عام موحد .. هو .. التأكيد على أهمية الكلمة الطيبة في إنقاذ البشرية من الضلالة إلى الهداية و من الظلام إلى النور و من السواد إلى البياض الناصع.
أولاً .. الكلمة و أقسامها ..
الكلمة .. هي أصغر وَحدة تُبنى عليها اللغة، و هي أقسامٌ ثلاثةٌ .. اسم و فعل و حرف.
فالاسم .. هو لفظ يدلُّ على معنى في نفسه غير مُقترنٍ بزمنٍ .. و هو نوعان ..
الأول .. ما دلَّ على ذاتٍ .. مثل .. جبل ، حائط ، رجل.
الثاني .. ما دلَّ على معنًى .. مثل .. الصوم ، النور ، الهدى.
أما الفعل .. فهو ما دلَّ على حدثٍ مُقترنٍ بزمنٍ .. و الفعلُ من حيث دلالته على الزمن ينقسم إلى ثلاثة أقسام .. فعل ماض ، فعل مضارع ، فعل أمر.
أما الحرف .. هو لفظٌ لا يدلُّ على معنًى إلَّا إذا اتَّصل بغيره .. أي بمعنى .. إذا ما وُضِع الحرف متصلاً بحرف أخر ليكون كلمةً في الجملة فإنها تُفيد إلى معنًى.
كما أن هناك مصطلحات أخرى غير الكلمة تُحاكي مستواها .. مثل .. القول ، اللفظ ، الكلام ، الكَلِم.
فالقول .. هو لفظٌ دلَّ على معنى.
أما اللفظ .. هو عبارة عن صوتٌ فيه بعضُ الحروف، سواءً دلَّ على معنًى أم لم يدلَّ.
أما الكلام .. فإنه ما كان أكثر من كلمة .. كلمتين فأكثر .. بشرط أن يكون مفيدًا.
أما الكلم .. ما كان أكثر من كلمتين .. ثلاثة فأكثر .. أفاد أم لم يُفِد.
ثانياً .. الكلمة الطيّبة
يقول الله عز وجل في مُحكم التنزيل .. وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ .. آل عمران .. 159، تعبيراً منه سبحانه و تعالى عن مدى أهميّة اختيار الكلمات و الأسلوب المناسب للحديث، تفادياً لابتعاد الأشخاص و نفورهم، و من هنا تبرز أهميّة الكلمة الطيّبة و تأثيرها الذي لا يقل عن تأثير السحر على النّفس و الروح، و لا يمكن حصر الكلمات الطيبة التي يمكن أن يستخدمها الإنسان في التعبير عن نفسه و عن الأشياء، و في إبداء رأيه و تعقيبه على الأمور، و في الحديث مع الآخرين في شتّى الأمور و في طلب الأشياء منهم، كما و يقول سبحانه و تعالى في هذا الصدد .. أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .. إبراهيم .. 24-25 ..، علماً بأنّ الكلمة الطيّبة تعكس تربية صاحبها و ثقافته و أخلاقه، و كلّما ارتقى الإنسان في العلم و المعرفة و الدين ارتقى قاموسه اللغوي، و ازدادت لديه مهارة القدرة على اختيار الكلمات المناسبة.
يتبع ،،،
الكلمة الطيبة، سياسة المتكلم، دبلوماسية المعنى.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة