25 يناير والتلفاز: قصة من رحم العمر
أحلام أحمد عبد الوهاب | Ahlam Ahmed Abdel wahab
10/01/2022 القراءات: 3068
منذ خرجت إلى الحياة وأنا شديدة الاتصال بالراديو والتلفاز مذ كان يقدم الأشخاص بالأبيض والأسود وأظن أن الناس كانوا غير ملونين بالماضي مثلما يظهرون لي، وحتى قررنا الانطلاق إلى التلفاز الملون جولد ستار تليمصر ذي الأزرار المتعددة الذي كنت أشاهده بالإعلانات وطلبت من أبي أن نحضره مثلما يأتي بالإعلان، كنت مهووسة بإعلانات التلفاز أحفظها عن ظهر قلب، أطلب كل ما فيها ظنا مني أنه أمر سهل المنال، أذكر عندما لم أكن قد تجاوزت الخامسة من عمري بكائي المتصل إصرارا مني على أن أحصل على "بيتزا هت "مثل التي بالتلفاز، فيأخذني ابن عمي إلى أحد دكاكين قريتنا النائية ويصنع خطة مع أحد أقاربنا أن يقنعني أنها نفدت الآن، وسيطلبها لي خصيصا لأكف عن البكاء، الغريب في الأمر أنني سمعت مخططهما، وعلى الرغم من ذلك أذعنت لهذه الحيلة عندما تحدثا إلى؛ كنت أتحلى بقدر عجيب من دقة الملاحظة المغلفة بالسذاجة المطلقة... لم أتوقف عن التوحد مع هذا الصندوق الناطق، كوني طفلة وحيدة بمنزل مليء بكبار العمر، كان سببا في اقترابي أكثر من التلفاز، وكان سببا في إصراري الدائم على ربطه بواقعي، تكبد أبي عناء هذه الصلة كثيرا، إلا أنه كان يحاول أن يعوضني عن هذه الوحدة بتلبية ما استطاع من تطلباتي الدائمة، كلما رأيت منتجا جديدا بالإعلانات أتشبث به، ويلف أرجاء مدينة نجع حمادي حيث كان عمله جالبا إياه لي، أبي هناك شيء اسمه "شيكوبون" أريده، أريد"بسكي لاتا"، "آيس كريم كيمو كونو" به جائزة على عصاه أريد منه، هناك إعلان جديد لهوهوز من "هوستس" أريد أن أتذوق طعمه، لم يكن يحرمني أبي من كل ما أقدم له اسمه بعد بحثه الدقيق عنه في سوبر ماركت "أبو خالد"، كنت أسبق أصحابي في تذوق أنواع مختلفة من المأكولات والمشروبات وأهاديهم بها، لم يتوقف الأمر عند الطعام، بل تخطاه للاهتمام بالمجلات التي يعلن عنها عرفت مجلة علاء الدين من التلفاز وطلبتها من أبي، كان لأبي صديق يبيع الجرائد والمجلات، يحضر منه جرائده اليومية، فأصبح يهتم بإحضار مجلة علاء الدين التي تصدر كل خميس كلما ذكرت له أن العدد هذا الأسبوع به هدية مميزة، كنت أهتم باقتناء الأعداد وفق الهدايا المرفقة بها حتى امتلكت مكتبة لهذه المجلة، هذا كان طبيعيا لمن هم في مثل عمري، لكنني ما زلت حتى الآن لا أدرك سبب اهتمامي باقتناء مجلة الإذاعة والتلفزيون وأنا في عمر العاشرة أو أقل فقط لأنها تتحدث عن فنانين أحب مشاهدتهم، ويقدم فيها ما يتم عرضه بالتلفاز من برامج ومسلسلات، لأنني كنت أهتم بحفظ أسماء جميع المسلسلات التي تقدم طوال العام وأدونها على ظهر النتيجة كأنني سأدخل يوما سباقا بها أو لمجرد أن تساعدني في اللعب مع أصحابي مسابقة بدون كلام ... لم يتوقف هوس الإعلانات إلى هذا الحد بل وصل إلى أشرطة الكاسيت المعلن عنها كنت أحب اقتناء أشرطة لا علاقة لها بالأطفال أو الكبار حتى، في كل احتفال من احتفالاتي بأعياد ميلادي أطلب من أبي أن يحضر لي هذا الألبوم لأشغله مع أصحابي ونحن نصنع احتفالنا كنت أصمم تفاصيل حفل يوم ميلادي وفق ما أراه بالتلفاز لأن هذا الحفل كان بدعة لم تحدث في عائلتنا من قبل ، وقد كان يحالفني الحظ بصديق آخر لأبي يعمل في مجال الأشرطة فيعطيه ورقة باسم هذا الشريط الذي كتبته له فيبحث عنه ويحضره لي، أظن أنه كان من الصعب أن يطلب أبي من صديقه هذه المسميات العجيبة بدون ورقة مطوية بها هذا النوع المجنون من الأغاني "كوتوموتو تو" و"رايحة فين يا فاطمة" و" سبت الفول كلت المكرونة" التي كانت تحاكي لحن التسعينات الشهير "ماكرينا ماكرينا"... ممتنة لأصدقاء أبي قد عاونوه كثيرا في رحلته الشاقة بحثا عن متطلباتي العجيبة، وأنا الآن سامحت ذلك الصديق الذي ذهب إليه أبي بورقة مطلبي الجديد ل"الكورن فليكس" حين ظهر على التلفاز، فقال له : لا هذا يمكن أن تجده بالصيدلية لا بالمحل عندنا، وكان سببا في أنني لم آكل هذا السناك إلا عندما كبرت بعدما ذاع صيته، وانتشر بجميع المحلات... لم يتوقف أمر مشاركتي التلفاز أحداث حياتي عند هذا الحد، فقد كنت أتقمص دور الأبطال وأجسد أدوارهم بعد الانتهاء، كنت مصدر إزعاج متصل لأفراد المنزل وأنا أقلد أصوات "زينا" ، وضربات "جبرييل"، كنت أتحدى نفسي في حفظ أغاني تترات جميع المسلسلات منذ ذئاب الجبل، وأبو العلا البشري، ومرورا بفوازير نيللي وشريهان، وأصمم أن أخرج بالإذاعة المدرسية لأغني أغاني الأطفال التي كانت برعاية ماما سوزان، وأفرض على زميلاتي الاستماع إلي وأنا أغني "أنا بنت حلوة واسمي بوسي في الفصل شاطرة أحفظ دروسي"، أو أفرض عليهن متابعتي في تقليدي الطفلة الموهوبة شيري في مسلسل السندباد، وأغنية" أنا لما بحب أتسلى محبش أقزقز لب أنا عندي أقرا مجلة أو أرسم زي ما أحب" وهكذا استمر التلفاز صديقا متصلا لا يقع بيني وبينه أي خصام أو تبدل بالمشاعر بتغير الأحوال والأيام، كانت القناتان رافدين ثقافيين وتوعويين لا ترفيهين فقط، أتابع جميع البرامج العلمية والتثقيفية من خلالهما، كنت أنتظر عالم الحيوان، ويوم مع بابا، كنت أتابع النشرة الفرنسية لأقلد المتحدث في عرضه للأحداث العالمية رغم عدم فهمي لأي كلمة، كنت أتدخل في حوارات من هم أكبر مني عمرا عندما أجدها موافقة لمحتوى برنامج سمعته بالتلفاز، كانت أغاني السادس من أكتوبر سببا في إشعاري بالشجن والعزة معا، كانت يوميات ونيس سببا في فهمي الكثير من القيم، كان كرتون بيل وسيبستيان سببا في حبي للحيوانات والطيور، بت أقنع أن الأشرار يظهرون بالتلفاز والحكايا الخيالية فقط، وأن الخير ينتصر دائما بالنهاية... .... .... يتبع.
خواطر، قصص
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع