الرضاعة الطبيعية في المنظومة الشرعية
16/07/2023 القراءات: 862
لقد أولى الدين الإسلامي أهمية كبيرة للإنسان في جميع أطواره ، من الفترة الجنينية إلى ما بعد الموت ، نموا و حماية و تحقيقا لعيشه الكريم ، حتى أوصى باحترامه و هو في قبره كما يحترم حيا ، و الطور الذي يهمنا في هذا البحث هو مرحلة الطفولة الصغرى ، و الجانب المتعلق فيها بالإرضاع ، حيث سأتناول فيه ما يتصل بالرضاعة الطبيعية في المنظور الشرعي مع تحديد معناها و بيان الأدلة المتعلقة بها في المصدرين الأساسيين للتشريع و هما القرآن و السنة و سأبدأ بتحديد المفاهيم
1 ــــ الرضاعة لغة و اصطلاحا
لغة :رضَع بالفتح من باب ضرب يرضع رضْعا و رضاعا و رضاعة بالفتح و الكسر معناه مص اللبن من الثدي ،فهو رضيع و الأم مرضِع و مرضعة لغة أهل تهامة1 ،كما ورد بالكسر ( رضِع ) من باب تعب رضْعا و رَضَعا بفتحتين و هي لغة أهل نجد 2 كما ورد بالضم ( رضُع )في بعض المعاجم اللغوية .
اصطلاحا : مص الرضيع اللبن من ثدي آدمية في زمن محدد ينتهي بالفطام.
2 ـــ أدلة مشروعية الرضاعة
لقد تبث الإرضاع بالقرآن و السنة و الإجماع :
• في القرآن الكريم :
" و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ّ3
(( و إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم ))
و أمهاتكم اللاتي أرضعنكم و أخواتكم من الرضاعة 4
• في السيرة النبوية
روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي و كان قبل الفطام " 1
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه " 2
و روي عن ابن مسعود أنه قال :" لا رضاع إلا ما شد العظم و أنبت اللحم " 3
و إذا أمعنا النظر في هذه النصوص ، تبين لنا أن الله تعالى ينظر إلى هذا الكائن البشري نظرة رحمة و حنان ،و هو أرحم الراحمين ، حيث جاءت الآية الأولى في سياق الحديث عن المطلقات ، فأمر بأن ترضع الأم ولدها بعد الشقاق و الانفصال >> و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة << حماية للثمرة التي نتجت من الزواج قبل أن يحدث الانفصال بين الأبوين ، كأن الله تعالى يبلغنا : لا تجعلوا شقاقكم و خلافكم و طلاقكم مصدر تعاسة للطفل البريء الرضيع 4
و قد اتفق الفقهاء على وجوب إرضاع الطفل مادام في حاجة إلى اللبن و خاصة في مرحلة الرضاعة ، و إن اختلفوا في الذي تجب عليه الرضاعة هل على الأم أم الأب و في ذلك أقوال نذكر منها :
رأي المالكية : يجب على الأم الرضاعة بلا أجرة إن كانت مما يرضع مثلــــــــــــها
و كانت في عصمة الأب لقوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"
و إن كانت مما لا يرضع مثلها فلا يجب عليها أن ترضع .
رأي الأحناف : يجب على الأم أن ترضع ولدها
رأي الشافعية و الحنابلة :يجب على الأب استرضاع ولده و الأم غير مجبرة على الرضاع .
و الآية المستشهد بها سابقا ،جاءت في سياق الحديث عن المطلقات ، والتقدير عند البعض " و الوالدات منهن أي من المطلقات ، إلا أن هناك من حمل اللفظ على العموم ، و في كل الأحوال فإن الحق عز وجل يضع الإطار الدقيق الذي يكفل للرضيع حقوقه ، اعتبارا أن هناك بونا شاسعا بين طفل ينعم بدفء الحياة بين أبوين متعاشرين ، و آخرين افترقا بالطلاق ،و حتى في الحالة الثانية فإن الأب " و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف" أو من يرثه يتحمل مسؤولية النفقة على المرضعة " و على الوارث مثل ذلك " أما بالنسبة للأم الوالدة فعليها أن ترضع ولدها ، لأن الآية الكريمة خبرية ، جاءت بمعرض الإنشاء ، و كأن الله يقول : أيتها الوالدات أرضعن أولادكن حولين كاملين1
و قد أرشد الله تعالى إلى ما هو أمثل في الرضاع و أنفع ، و هو أن يتغذى الطفل في الحولين من عمره على لبن أمه ، و ذلك لما يشتمل عليه لبن المرأة من العناصر الغذائية اللزمة لنموه نموا عقليا و بدنيا سليما ، و هي عناصر لا يتوفر كثير منها في الألبان الصناعية ، أو الألبان الطبيعية غير لبن المرضعة ، و من أهمها التي تنعكس على الطباع و الأخلاق من الصفات الخَلقية و الخُلقية كالحسن و الدمامة و السخاء و الشجاعة فإن الطفل كما يتكون لحمه و عظمه باللبن كذلك يتكون عقله و حواسه و صفاته بنوع غذائه
( ملاحظة شاركت بهذا الموضوع في المؤتمر الدولي للمرأة و الطفل بمدينة الحمامات بتونس في مطلع شهر مايو 2023 )
الإرضاع ،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع