الجزائر في نظر السلطة الحاكمة: دولة فتية لم تبلغ سن الرشد
16/09/2019 القراءات: 4207
تروج السلطة الحاكمة مرارا وتكرارا أن الجزائر دولة فتية لم تصل بعد إلى مستوى الأمم العريقة، وتلجأ السلطة دائما إلى الترويج لهذا الخطاب في كل مرة للدفاع عن نفسها ومواجهة المطالب المجتمعية المنادية بالديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة والتنمية الاقتصادية. وفي كل مرة يقول لنا رموز السلطة أن الديمقراطية والحداثة في فرنسا وأمريكا وبريطانيا استلزمت مدة طويلة من الوقت تجاوز القرنين، لتصبح واقعا في تلك البلدان.
إن مثل هذا الخطاب يعبّر عن عجز السلطة عن الاستجابة لمطالب المجتمع والأجيال الجديدة، وهو يعبّر كذلك عن عدم رغبة النظام في التكيف مع الواقع الدولي وفي نفس الوقت عدم إدراكه للرهانات الحقيقية التي تواجه الجزائر في محيط دولي وإقليمي لا يرحم الضعفاء.
إن الجزائر لم تبدأ في 1962، بل هي استعادت استقلالها في تلك السنة، وبعمر الدول كانت إلى وقت قريب سيدة البحر المتوسط. أما اليوم وبعد أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر واستعادة سيادتها، لم يعد مقبولا ان يقال عنها دولة فتية، فهذا الوصف هو إنقاص من قيمة الجزائر كدولة وأمة، فالقيادة الناجحة هي التي تعظّم وطنها لا أن تستصغره أمام الآخرين. والمثال هنا احمد داوود اوغلو في تركيا الذي وصف بلاده في كتابه (العمق الاستراتيجي) بأنها دولة مركز وليس دولة هامش.
إذا كان رموز السلطة عندنا يعتقدون أن الديمقراطية والتنمية تحتاج إلى قرون لكي يتم تحقيقهما، فهناك أمثلة عديدة تسقط هذا الاعتقاد، وان الديمقراطية والتنمية لا تحتاج إلى قرون ومئات السنوات بقدر ما تحتاج إلى نخب راشدة لديها القابلية للنهوض بأوطانها. فإسبانيا مثلا بدأت مسار التحول الديمقراطي في منتصف السبعينيات واستكملته مع بداية القرن الواحد والعشرين. وفي السبعينيات كانت تقريبا في نفس المستوى الاقتصادي مع بعض الدول العربية وهي الآن من أكثر الدول تطورا، حيث يدخلها أكثر من 60 مليون سائح سنويا. وكوريا الجنوبية التي كانت بلدا زراعيا متخلفا جدا غداة استقلال الجزائر وكانت تحكم بنظام ديكتاتوري وعسكري، احتاجت فقط إلى ربع قرن لكي تدخل مجموعة الدول الديمقراطية وفي نفس الوقت حققت مستويات عالية من التنمية الاقتصادية، فمستوى التعليم في كوريا الجنوبية حاليا أحسن من نظيره في بلدان أوربية كفرنسا، وهي تعتبر من الدول الرائدة في صناعة السيارات وغيرها. ونفس الكلام يقال عن البرازيل والأرجنتين والشيلي وتركيا. ونضيف هنا كذلك بعض دول أوربا الشرقية فجمهورية التشيك خرجت من المعسكر الاشتراكي في نهاية الثمانينيات وانفصلت عن تشيكوسلوفاكيا وتخلت عن نظام الحزب الواحد، وهي الآن تنعم بنظام ديمقراطي وتصدّر لنا سيارة سكودا.
صحيح أن هذه البلدان استفادت من بعض العوامل الخارجية مثل المساعدات الأمريكية والانضمام إلى الاتحاد الأوربي، لكن العامل الداخلي كان عاملا حاسما، فهذه البلدان توفرت على نخب إصلاحية كانت لديها القابلية لتنمية بلدانها وعدم تركها في التخلف مثلما فعله مهاتير محمد في ماليزيا والنخبة الحاكمة حاليا في تركيا.
إن التخلف والتسلطية ليست غريزة فطرية في مجتمعنا أو قدرا محتوما علينا، بل هما يعبّران عن عدم قابلية للانتقال نحو الديمقراطية والتطوير الاقتصادي. ولهذا فنحن لسنا بحاجة إلى قرنين من الزمن لتكريس التداول على السلطة وإجراء انتخابات نزيهة وصياغة دستور ديمقراطي، بل الأمر يحتاج فقط إلى التخلي عن الأنانية والتخلي عن تأليه الذات والتنازل لصالح الوطن. ونحن لسنا بحاجة إلى قرنين من الزمن لنتعلم صناعة السيارات وصناعة الأدوية وصناعة الألبسة وإنتاج غذائنا، بقدر ما نحتاج إلى ضمير سلطوي ونخبوي يدرك حجم الرهانات الجيوسياسية التي تواجه الجزائر كدولة وأمة في القرن الواحد والعشرين.
السلطة، تنمية، دولة، الجزائر