مدونة سمير ساسي


أزمة التعليم الإسلامي حسب بن عاشور

سمير يوسف ساسي | samir sassi


18/10/2020 القراءات: 1412  


بسط الشيخ بن عاشور أزمة التعليم في ثنايا الكتاب مبثوثة بين السطور،ثم أجملها اجمالا قسم فيه أسباب فساد التعليم ثلاثة أقسام ،فساد المعلم وفساد التآليف وفساد من جهة النظام العام ،لكن أطرف مباحث هذا القسم أزمة التعليم الإسلامي في علاقته بالسلطة وهو مبحث عميق وفيه من الطرافة والجدة الكثير مما يحسب للشيخ فقد اعتبر بن عاشور أن هذا يعد "خلقا قديما للدول والأحزاب" وواضح أن الشيخ يعي تماما مكونات المنتظم السياسي مقارنة بالمنتظم المدني فهو يجمع السلطة السياسية في الدول والأحزاب لكن وجه الطرافة والجدة والجرأة التي نلمسها في هذا التشخيص هي قرائن الاستدلال التي وظفها الشيخ في معرض تشخيصه لهذه العلاقة الشائكة بين السلطة السياسية والتعليم فقد عاد الشيخ إلى مرحلة التجربة الإسلامية في بواكيرها مع الجماعة الإسلامية الأولى ومع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه جرأة تحسب له في قراءة هذه التجربة التي دأب المسلمون على احاطتها بهالة من التقديس تمنع أحيانا كثيرة من الاستفادة منها فالشيخ عاد على تجربة أبي ذر الغفاري وقد منعه عثمان بن عفان الخليفة الثالث من أن يبث مبادئه في أقسام الأموال و ابن مسعود وقد منع من اشهار قراءته ثم تحجير الفقهاء على الناس قراءة الفلسفة ليصل إلى الزمن الحديث ما ما فعله "رجال الجمهورية في فرسنا من منع التعليم الديني في مدارس الاكليروس منعا لنوازع الملكية ليخلص إلى القول بأن هذا التدخل السياسي هو "السبب الحقيقي الذي يضعف رجال التعليم ولا يجعل له صوتا تسمعه الأمة ـو تبالي به الحكومة لأنه ليس للعلم صوت عام في أكثر مسائل الأمة وليس في الأمة جماعة منتظمة تنظم بلسان أهل العلم" ،فتدخل السلطة في التعليم في غياب سلطة موازية لها داخل الأمة عموما وداخل رجال التعليم خصوصا هو سبب الأزمة الرئيسي حسب الشيخ بن عاشور وهذا وجه تشخيص متطور جدا مقارنة بالإطار الموضوعي والتاريخي الذي قيل فيه,
من جهة أخرى عمد الشيخ بن عاشور في تشخيصه لأزمة التعليم إلى تتبع تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين ليكشف لنا أن ظاهرة الميل إلى العلوم الموسوعية التي كانت سائدة طيلة هذا التاريخ رغم الاستفادة منها مدة طويلة إلا أنها أثرت بشكل سلبي على تطور العلوم فغياب الاختصاص العلمي تجعل طالب العلم مكتفيا بالحد الأدنى من كل علم دون تعمق و"يقتنع من كل علم بعلالة فأثر ذلك فاشتغالهم بتتبع المباحث اللفظية فوقفت العلوم عن الزيادة والتمحيص ثم صارت التآليف منحصرة في طرر وحواش " ،ويستدل الشيخ هنا بمثال الأدب العربي الذي يراه أكثر مجالات العلوم تأثرا بهذه الأزمة غذ تأخر تأخرا عظيما وتضاءل النبوغ إلا نادرا " حسب وصف الشيخ وقد عزا ذلك إلى أن كل طالب يميل إلى ان يكون كاتبا وشاعرا وعالما ومؤلفا فيدفعه ذلك إلى الاقتناع بالقليل
من أسباب أزمة التعليم الإسلامي أيضا التطرف وانخرام نظام الاجتماع وقد وقف الشيخ على هذه الحقيقة من خلال قراءته لتاريخ العلوم في الأندلس ورأى أن تقدم الأندلس دام "وانتهت إليها من جميعها سائر العلوم المتقدمة بأحسن من طرائقهم بحثا وسعة حتى رماها التقهقر بنبله عند تفرق ملوكها وظهور الدعاة والثوار وانقلبت صبغة الدولة من التسامح والنصح على الشدة والكبرياء نتيجة ضعف العقل والعجز وسوء الظن عند سوء الفعل" وهنا نقف على إضافة أخرى قد لا يتسع البحث فيها لخروجها عن اهتمامات المبحث هي تعريف الشيخ للتطرف الذي ينتج عن انقلاب في صبغة النظام السياسي من التسامح والنصح إلى الشدة بسبب العجز وضعف العقل وسوء الظن عند سوء الفعل أي التأويل الفاسد وهي إشارة نقف عندها لارتباطها بمسألة العلم إذ أن هذه الأسباب من ضعف وعجز وسوء ظن لا تنتج إلا في حال تفشي الجهل وتقهقر العلم
من مظاهر تدهور التعليم أيضا التشبث بالقشور والاهتمام بالمظاهر "وصاروا يلقبون من حج منهم بالحاج ويذكرون العلماء باسم سيدي فلان وكثر في كلامهم الحشو والفضول"
كذلك ينهار التعليم حسب الشيخ بن عاشور في حال "إقبال أهله على الارتزاق بأنواع الحرف فقد كان الشيخ محمد قويسم العالم الشهير صاحب سمط الآل يحترف بيع الزهور ..." والشيخ هنا يشير إلى غياب التفرغ بالنسبة إلى المعلمين
الانغلاق على الذات مظهر من مظاهر أزمة التعليم في البلاد الإسلامية حسب الشيخ بن عاشور وقد استنتجها من خلال قراءة تاريخية لمسار التعليم في افريقية ورأى أن انعزالها عن المشرق فوت عليها فرصة هامة للتطور العلمي "فلم يستمد تعليم افريقية من المشرق زمن تقدمه بل وقف الأمر بعد قدوم سحنون سنة 191 هـ واشتغل علماؤها بالأخذ عنه وقصروا عن الرحلة التي كانت تفتح الأبصار على تقدم الشرق فلذا فاتهم نقل العلوم العقلية "
و لئن اعتبر الشيخ بن عاشور هذا الانغلاق والاقتصار على علوم الشريعة والفقه في افريقية من قصور الهمة فأنه قدم لنا تفسيرا سوسيولوجيا للظاهرة أو عمرانيا بتعبير ابن خلدون "ذلك أن زهادة أهل افريقية في العلوم العقلية معلول لعلة طبيعية عمرانية وهي أن شيئا لا يعيش إلا في محل العناية به ولا عناية إلا بالحاجة و اعطاء القيمة "
يمكن أن نسم هذا التشخيص بضبط العوامل الذاتية في أزمة التعليم الإسلامي إذ أن الشيخ انتقل بعد ذلك إلى ضبط العوامل الخارجية المعيقة لتطور التعليم الإسلامي فرأى أن تاريخ العلوم عند العرب توقف تطوره في فترة هجوم التتار على الدولة العربية بعد قتل المتوكل في 247هـ معتبرا أن ما شهدته الدولة في تلك الفترة من مظاهر ازدهار لم يكن ازدهار مؤسسا و إنما كان نابعا من "حب بعض الملوك ادعاء اسم الانتصار للعلم ليتملكوا قلوب العلماء الذين هم يومئذ قدوة للعامة " ،وهذه القراءة التاريخية لتطور العلوم أوصلت الشيخ إلى نتيجة هامة في علاقة المستعمرين بالعلوم في بلاد المسلمين يمكن اعتبارها سبقا نظريا حققه الشيخ في مجال انتروبولوجيا الاستعمار يقول الشيخ "لم يسطع نور العلم على افريقية بعد أفول دولة الرومان ولا في دولة الرومان إذ لم يكن لهم عناية بترقي مدارك الأمم الداخلة تحت حكومتهم ليستغلوا بالجهل منافعهم"


نهليم ، أزمة ، إسلامي ،معلم ، تآليف ،فساد نظام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع