مدونة الأستاذ الدكتور فليح مضحي السامرائي
تجربتي في ماليزيا / حكمة العجوز الصيني....
الأستاذ الدكتور فليح مضحي السامرائي | Prof. Dr. Flayyih Mudhhi Al-Samrrai
08/04/2020 القراءات: 3573
حكمة العجوز الصيني... اتصلت على مالك الشقة على إثر عطل في الثلاجة، تلك الشقة الشاهقة العلو، والتي تطل بجزء منها على المحيط الهندي، تستقبل بفخر شروق الشمس وبأمل تودعها، وتتربع ببهاء قرب السحاب في الطابق التاسع والعشرين من مبنى N-Park، في تلك الجزيرة الساحرة (بينانغ- ماليزيا / pulau Penang)، التي صنفت من أفضل عشرة جزر للتقاعد والعيش الهادئ... بعدها اتصل بنا مجهول وتبين أنه مصلح الثلاجات، وحدد موعدا لحضوره الساعة العاشرة صباحا من يوم الأحد، البهي، الجميل، الهادئ، المصادف الخامس من شهر مايو (أيار) عام ألفين وثلاثة عشر، الذي تجتمع فيه كل العائلة، وهو عطلة نهاية الأسبوع. وفي الموعد المحدد حضر دون تأخر، وإذا به رجل مسن صيني، أكل الدهر عمره، وأفناه، لكنه لازال نشطا، ولايشعرك بعجزه أو كلله، إذ كان حضوره على دراجته النارية (الموتور سايكل)، حاملا عدته التي لايقوى على حملها شاب من شباب العصر المخنثين. دار حوار بيننا حول وضعه، ومع من يعيش؟ ولماذا يعمل؟، اندمج الرجل معنا وخاصة مع صغيري العائلة احمد ومحمد، حيث استشعر بالألفة من خلال اندماجهما معه، وأخذ يجلس بقربهما يستمع لهما، ويسألهما عن العابهما، ودراستهما، واهتمامهما، وألطف مادار بينهما، وجعل للقاء متعة خاصة، عندما طلبا منه أن يحضر إلى الشرفة (البلكونة)، التي كانت تظم العابهما، لكنه وضع يده على قلبه معتذرا منهما، وأنه يخاف من الأماكن العالية، وساد جو من الضحك بينهما وهما يلحان عليه بأن يأتي وينظر فقط من ذلك العلو الشاهق، وهو يمتنع بوضع يده على قلبه معلنا رعبه وخوفه، واحسب ببيان رعبه كان فيه نوع من المبالغة وغايته الأساسية أن يشعرهما بالمتعة التي يتمناها لهما، ويفتقدها من ابنه الوحيد الذي يعيش معه. بعد الانتهاء من عمله جلس معنا يتجاذب أطراف الحديث ولم يوجس منا خيفة، وتكلم بصراحة مطلقة،- وهي عادة الشعوب المثقفة- وقال( انه يعمل لأن ابنه لايعطيه المال، ويقول له اذهب واعمل واشتري احتياجات من جهدك بما فيها أكلك، انا لا اتكفل بك، .... ثم اردف ""انا على يقين أن ابنه سيعمل معه مثل ماعمل معي""، ...) كلمات قالها ذلك الصيني العجوز، تنزل كالصاعقة على العقول الراسخة المتفكرة. وساد استغراب من الأولاد على صغر سنهم، ثم اوضحنا له أن ديننا واخلاقنا وانسانيتنا، لاتقبل هذا التصرف، فسر وسعد بهذا وأشاد بهذه القيم النبيلة. لقد كان عطل ثلاجتنا، فيه فائدة ودرس من دروس الحياة، وخاصة عند الأولاد، الذين لازالوا يستذكرون ذلك العجوز وكلماته وظلم ثقافة المال وطغيانه له، مثلما يستذكرون رعبه وفزعه من الأماكن العالية.. والعبرة لأولي الألباب... د. فليح مضحي السامرائي كوالالمبور01-04-2020
العجوز الصيني
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع