استعمال الإمام الطبريّ التأويل بدل التفسير عنواناً لتفسيره(جامع البيان عن تأويل آي القرآن)
20/10/2020 القراءات: 4000
الطبريّ : هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبريّ , المُتوفى في (310هـ) , حَفِظَ القرآن وكتب الحديث وهو صغير , علوم ثلاثة لاتذكر إلا يذكر الطبريّ مقروناً بها كلّها : التفسير والتأريخ , والفقه , كتابه (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) , ألفه في أواخر القرن الثالث الهجري , وذكر أنَّه أملاه على تلاميذه من سنة 283-290هـ . وقد حوى هذا الكتاب على جميع تراث التفسير الذي تفرّق قبله في كتب صغيرة منذ عصر بن عبّاس ـ وهو أبو التفسير بالمأثور مثلما يُلقب ـ وإلى النصف الأول من القرن الثالث الهجري . وقد روى الخطيب البغدادي في قصة تأليف الطبريّ لهذا الكتاب إذ قال لأصحابه : أ تنشطون لتفسير القرآن ؟ قالوا :كم يكون قدره ؟ قال : ثلاثون ألف ورقة , فقالوا : هذا ممّا يفني الأعمار قبل تمامه , فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة , وكتاب التفسير هذا لم يصنف أحد مثله .
وقد كان الطابع الذي يميز ابن جرير في تفسيره اعتماده على المأثور عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) , وعلى آراء الصحابة , ثُمّ أضاف إلى التفسير بالمأثور ما عُرِفَ في عصره من نحو ولغة وشعر , ورجع إلى القراءات ورجّح ما تخيره منها , ثُمّ استعان بكتب الفقه فعرض كثيراً من آراء الفقهاء في مناسبتها , واستعان بكتب التأريخ .... فنقل عن ابن إسحاق وغيره(تأريخ بغداد :ج2/163) , وعرض بعض آراء المتكلمين لكنه لم يكثر في ذلك .
يُعدّ تفسير الطبريّ من أجلّ التفاسير بالمأثور وأعظمها قدراً , ولكنّه لم يطلق كلمة تفسير على كتابه , وإنما سمّاه (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) , فلماذا لم يستعمل كلمة التفسير بدل التأويل ؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: أنَّ التأويل الذي يريده الطبريّ هو التفسير على ماهو موضح من خصائص تفسيره , فاللفظان التأويل والتفسير مترادفان لديه , وهما بمعنى الكشف عن ألفاظ القرآن والتوضيح لمعانيه ومراميه .
فالتفسير في اللغة : هو البيان والكشف , ومنه قوله تعالى ((ولايَأتُنَكَ بِمَثَلٍ إلاجِئْناكَ بالحَقِّ وأَحْسَنَ تَفسيراً))(الفرقان/33), أي بياناً وتفصيلاً , والتفسير يرجع إلى معنى الإظهار والكشف , وأصله في اللغة من التَّفسِرة , وهي القليل من الماء الذي ينظر فيه الأطباء , فكما أنَّ الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علة المريض , فكذلك المفسّر يكشف عن شأن الآية وقصصها ومعناها والسبب الذي أُنزلت فيه, وكأنَّه سُمّي بالمصدر ؛ لأنَّ مصدر (فعّل) جاء أيضاً على تَفْعِلة نحو: جرّب تجرِبة , كرّم تَكرِمة(البحر المحيط:1/26, المفردات :636 , البرهان:2/283, الكليات:511) , فالتفسير هو بيان للعبارة القرآنية من مفردات وجمل بياناً كاشفاً لحقيقة معناها على وفق ماهو متعارف من أساليب العرب في كلامهم وخطابهم حقيقة أو مجازاً , سواء أكان المعنى شائعاً في الاستعمل , مثال ذلك: تفسير الصراط بالطريق والصيّب بالمطر , أو غير متبادر , نحو: تفسير (أخفيها) في قوله تعالى ((أكاد أُخْفِيهَا))(طه/15) بمعنى أُظهرها
أمّا التأويل فهومن الإبانة , وهي السياسة , كأنَّ المؤُّول للكلام قد ساس الكلام ووضع المعنى موضعه , فهو اجتهاد المفسّر في ترجيح المقصود من المعاني المختلفة التي يحتملها اللفظ , فكأنّ المقصود من التأويل هو الإخبار عن حقيقة المراد مثال ذلك قوله تعالى((إنَّ ربَّكَ لَبِالمِرْصَادِ ))(الفجر/14) , تأويله التحذير من التهاون بأمر الله بأمر أو الوعيد لِمَنْ يخالف أمر الله , بينما التفسير : ((لَبِالمِرْصَادِ)) أنَّه من أرصد , يُقال : أرصدته أي رقبته , والمِرصاد مِفْعَال (تفسير الطبري:1/11) ,.
فقد جاء تفسير الطبريّ موسوعة في علوم اللغة وأساليب استعمالها واستعمال الإعراب لتبيان حقيقة المُراد , وكشف وتوضيح للبيان القرآني في ما يحمله من الصور البلاغية والكنايات والاستعارات , واستشهاد بالشعر والروايات التأريخية وعرض لوجوه القراءات القرآنية وترجيح الأوج منها , ثُمّ مناقشة للآراء الفقهية واستنباط الأحكام من اجتهاده , علاوة على الاستشهاد بالأحاديث النبويّة وما أثر عن الصحابة والتابعين من تفسير للآيات القرآنية , ممّا جعل هذا التفسير ثروة موسوعية في التراث الإسلامي يندر وجود مثلها .
التأويل التفسير الإمام الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع