عقوبة القاتل عند الله في الآخرة
علي محمد عمر محمود السهولي | ALI MOHAMED OMAR MAHMOUD
13/10/2020 القراءات: 34613
القتل العمد جريمة شنيعة حذر الإسلام منها، وشدّد الله عز وجل في النهي عنها، وعَظّم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقوبة فاعلها، ومن ذلك أن:
ــ النفوس معصومة: فنفس المؤمن في الإسلام حرم لا يُمس، ودم المسلم فيه حرام إلا بحق؛ لذلك كانت حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة بيته الحرام، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما نظر للكعبة: "ما أعظمك وأعظم حرمتك ولكن المؤمن أعظم حرمة منك" [رواه الطبراني]، بل إن نفس المؤمن عند الله أعظم من الدنيا بأسرها، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا" [أخرجه أحمد والنسائي].
ــ أعظم عقوبة في القرآن: قال الملك الديان: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سورة النساء: الآية 93]، وعيد شديد وتهديد أكيد من رب العبيد ليس عليه مزيد؛ فتوعد الله القاتل في هذه الآية بخمس عقوبات هي: (دخول النار ـ الخلود فيها ـ استحقاق غضب الله ـ ونزول اللعنة ـ وفوق كل ذلك العذاب العظيم)، عقوبة لم تَرِد في حق أعتى الظلمة وأشد الكفرة، فتُوُعِّد القاتل بأشد عقوبة وردت في القرآن الكريم.
ــ أول الأعمال في الحساب: قال النبي ـ صلى الله عليها وسلم ـ: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" [رواه البخاري]؛ فسفك الدماء أول الأعمال التي يُسأل عنها، والاعتداء على الأرواح أُولَى الأفعال التي يُحاسب عليها.
ــ موبقة مهلكة: فجريمة القتل من كبائر الذنوب المهلكات للمرء، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اجتنبوا السبع الموبقات ـ وذكر منها ـ قتل النفس بغير حق" [رواه البخاري ومسلم]، وهي ورطة عظيمة لمن وقع فيها، قال ابن عمر: "إن من وَرَطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلِّه" [رواه البخاري]، قال ابن حجر: "الورطة: هي الهلاك، يقال: وقع فلان في ورطة، أي في شيء لا ينجو منه".
ــ ذنب لا يُغفر: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا" [أخرجه النسائي وصححه الألباني]، فلعِظَم ذنبه وكِبَر جرمه فإنه لا تفي بمحوه الحسنات ولا الأعمال الصالحات، وقُرِن القتل مع الشرك لتتبين فداحة الفعل وتظهر شناعة الجرم.
ــ إثم مضاعف؛ إذ جعل الله إثم قتل نفس واحدة كإثم قتل جميع الناس فقال: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائد: الآية 32]، قال ابن عباس: ((من قتل نفسا واحدة حرمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعا)).
ــ ذهاب ثواب الأعمال: فالقاتل تُوزن أعماله الصالحة بجريمة القتل فتطيش حسناته وتضيع أمام جريمة القتل، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" [رواه البخاري]، قال ابن العربي: ((الفسحة في الدين: سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت؛ لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب: قبوله الغفران بالتوبة، حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول)).
ــ عدم قبول الأعمال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" [رواه أبو داود]، فالقاتل لا يقبل الله منه عملاً؛ لا فرضاً أدّاه، ولا نافلة تقرّب بها لله.
ــ عدم دخول الجنة: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من لقي الله لا يشرك به ولم يَتَنَدَّ ـ أي: لم يُصِب ـ بدم حرام دخل الجنة" [رواه ابن ماجه]، فمفهوم المخالفة: أن من أصاب دماً حراماً لا يدخل الجنة، وهذا ما ورد نصاً في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "من استطاع ألا يُحال بينه وبين الجنة بملء كف من دمٍ اهْرَاقَه فليفعل" [رواه البخاري]؛ ولذلك قال ابن عمر للقاتل عمداً: "تَزَوَّدْ من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة".
ــ الوعيد بالنار: توعد الله القاتل بدخول النار بل وبالخلود فيها فقال: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [سورة النساء: الآية 93]، وأكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الوعيد بقوله: "لو أنَّ أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" [أخرجه الترمذي وصححه الألباني].
ــ منظر مُخيف وموقف مَهيب: صوّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشهد القاتل وهو بيد المقتول يجُرُّه ليقف به أمام عرش الرحمن بين يدي الملك الديان يسأله سبحانه أن يأخذ له حقه وأن ينتقم له ممن ظلمه، فقال: "يأتي القاتل متعلقاً رأسه بإحدى يديه متلبباً قاتله بيده الأخرى تشخب أوداجه دماً حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لله: رب هذا قتلني!، فيقول الله للقاتل: تَعِسْت، ثم يُذهب به إلى النار" [رواه الطبراني وصححه الألباني].
القتل ـ العمد ـ عقوبة ـ وعيد
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف