مدونة أ. م. أنس خالد إبراهيم


علامات الترقيم في اللغة العربية بين الخطأ و الصواب

أ. م. أنس خالد إبراهيم | Asst. Prof. Anas Khalid Ibraheem


07/12/2020 القراءات: 4817  


تُعد اللغة العربية احدى اكثر اللغات السامية تحدثاً اذ يتحدث بها قُرابة النصف مليار انسان. وهي اللغة الاكثر غزارة من حيث عدد المفردات اذ تتجاوز مفرداتها العشرة ملايين مفردة. و تأتي في المركز الثالث من حيث الانتشار و الاستخدام. وهي لُغة القرآن الكريم التي شرفها الله تعالى في كتابه العزيز و حفظها. واشار الله تعالى اليها في كتابه الكريم احدى عشر مرة. ومثلها مثل كل لغات العالم اضيف اليها على مر الزمن ماهو من اصلها و مضمونها بدون المساس بعروبتها. فمثلاً قام ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني المعروف بابو الاسود الدؤلي بتفعيل النحو في اللغة و وضع النقاط على حروفها. ثم قام الخليل بن أحمد الفراهيدي بتغيير رسم الحركات فيها من تنقيط الاعجام الى تنقيط الحركات لتصبح بالشكل الذي هي عليه الان. كُل هذا صب في مصلحة اللغة العربية و رسم معالمها النحوية و اللغوية. ثم وقبل ما يزيد عن مئة عام قام حمد زكي بن إبراهيم بن عبد الله النجار المعروف بأسم احمد زكي باشا و بطلب من من وزارة التعليم المصرية في حينها و وزير المعارف انذاك احمد حشمت باشا بنقل علامات الترقيم من اللغات الاوربية الى اللغة العربية وذلك بناء على المقترح الذي تقدم به احمد زكي باشا بعد ان رأى وجودها في باقي اللغات وعدم وجودها في اللغة العربية. واكمل احمد زكي باشا العمل على نقلها عام 1911 و طبعت لاحقا في كتابه الترقيم وعلامته في اللغة العربية الذي نشرته المطبعة الامريكية في مصر عام 1912. ثم ذكرت مرة اخرى في كراسة بعنوان حروف التاج وعلامات الترقيم ومواقع استخدامها طبعة المطبعة الامريكية في مصر عام 1931 نقلاً عن كتاب مناهج تحقيق التراث للدكتور رمضان عبد التواب وقد طبعت هذه الكراسة بناء على قرار من وزارة المعارف المصرية بتاريخ الــ 26 من الشهر الــ 7 لعام 1930 . وقد تمت الاشارة الى ان احمد زكي باشا هو اول من كان سبب في ادخالها الى علامات الاملاء في اللغة العربية. حتى اذا كان العام 1932 قررت لجنة تيسير الكتابة في المجمع اللغوي ان تستعمل علامات الترقيم على النحو الذي اقرته وزارة المعارف العمومية المصرية بعد ان قامت ببعض التعديلات على العلامات التي وضعها احمد زكي باشا. ثم اضاف من اتى بعده علامات اخرى وهم عبد الرؤوف المصري في رسالته الترقيم والايقاع عام 1921 و محمود احمد خليل في رسالته في سبيل العربية عام 1929. وبعدها اصدرت وزارة المعارف المصرية كراسة بأسم حروف التاج و علامات الترقيم عام 1931 موقعة بمرسوم من الملك فاروق و عممته على المدارس. وفي الــ 25 من الشهر الــ 12 من عام 1958 اقره المجمع العلمي في القاهرة. اما المجمع العلمي في دمشق فلم يقره الا في مؤتمره الثامن عام 2009 في كراس حمل اسم قواعد الاملاء. ومما تقدم نلاحظ ان ما قام به احمد زكي باشا هو في الحقيقة تشويه للغتنا العربية بداعي عجزها عن مقابلة اللغات الاخرى من حيث الاسلوب. علما انه تأثر بكتابات رفاعة الطهطاوي وترجماته و حركة التحرر من الفكر الشرقي التي قادها جمال الدين الافغاني و حركة تحرير الاسلوب العربي من قيود من سبق التي قادها محمد عبده. هذه العوامل مجتمعة دفعت احمد زكي باشا الى ان يقوم بما قام به. وغاب عن فكره ان لغتنا العربية الاصيلة و لغة القرآن الكريم لا ينقصها شيء من قواعد اللغة او حتى اساليب اللغة. فعلى النقيض من اللغة الانكليزية و الفرنسية التي لا تحتوي على ما يكفي من ادوات الربط و الاضافة و الوصل الامر الذي دفعها لتبني علامات الترقيم هذه فأن لغتنا العربية ثرية جدا بهذه الادوات و لاتحتاج ابدا الى استخدامها. وانظروا ان شئتم الى كتاب الله تعالى هل يحتوي على علامات الترقيم التي ادخلها احمد زكي باشا. هل هناك من داعي لاستخدامها في كتاب الله تعالى بُحجة تداخل الجمل و فقدان التركيز علما ان آية المداينة في سورة البقرة تتكون من 15 جملة تامة كاملة لا تحتوي بل ولا تحتاج الى علامة ترقيم واحدة. هل هناك من خلل في كتاب الله من حيث البناء القواعدي او الدلالي. ولماذا نتبنى فكرة ابتدعها شخص ما و ادخلها على لغتنا ونحن لسنا بحاجة لها. ان لغتنا العربية الاصيلة الجميلة مُتكاملة من حيث البناء و الاسلوب و لا يشوبها شائبة و لا تتخلها نقيصة و لا تحتاج الى اضافة شيء خصوصا اذا كان لدينا البديل اللغوي. ان الحفاظ على لغتنا من الشوائب الدخيلة هو واجب علينا جميعا نحن معاشر العلماء و الباحثين و اللغوين و الكُتاب.


اللغة العربية - علامات الترقيم - القرآن الكريم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع