مدونة أ. م. أنس خالد إبراهيم


ترجمة القرآن الكريم بين الجواز و الانكار

أ. م. أنس خالد إبراهيم | Asst. Prof. Anas Khalid Ibraheem


25/06/2021 القراءات: 2639  


يعد موضوع ترجمة القرآن الكريم من اكبر ان لم يكن اكبر معضلة من معضلات الترجمة. فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب سردي او تأريخي او حتى عقائدي. و انما هو كتاب فيه كلام الله تعالى الذي نزل على قلب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آهله الطيبين الطاهرين مُصدقا لما بين يديه و هُدى و بشرى و رحمة للعالمين. نزهه الله تعالى عن التحريف و التلوين و ضعف الحديث و المقال وجعله تعالى اُمة للكتب التي نزلت قبله.

لكن و لأهميته لغير الناطقين بالعربية سواء كان من المسلمين ام من غيرهم دأب اللغوين و المُترجمين خصوصا من غير العرب على ترجمته الى مختلف لغات العالم. واصبح هناك وعلى مر السنين مئات الترجمات تركزت معظمها في اللغة الانكليزية حتى صار هناك خلال القرنين المنصرمين ما يقرب من 34 ترجمة للقرآن الكريم في هذه اللغة وحدها.

ومنذ البدء ظهر السؤال الاهم وهو هل يجوز ترجمة القرآن الى لغة غير العربية. اختلف العلماء العرب من اهل الشرع في صحته فمنهم من صرح بجوازه ومنهم من وضع شروطاً لجوازه ومنهم من حرمه تحريما قاطعاً. وذهب كل فريق منهم بمنهاجه وقدم القرائن و الادلة على صحة قراره . فمن حرمه استشهد بالآيات التي نزلت ببيان عربيته وعددها 12 آية وببعض الاحاديث التي تسندها. اما من صرح بجوازه استشهد باختلاف المسلمين وازدياد اعدادهم وتعدد السنتهم وصعوبة تعلم العربية لغير العرب والحاجة الى نشر الدين. و بالنسبة الى من جوزه بشروط فقد راعى المنهجين فيما يتعلق بقدسيته و الحاجة الى نشره على حد سواء.

ولم تتجلى مشكلة الترجمات الى ان تمت مراجعتها من قبل اهل الدين و اللغة فوجدوا فيها اختلاف كبير وخروج عن السياق و حتى تحريف لمعانيه في احيان اخرى. وهذا قد يُعزى لأسباب كثيرة منها ضعف المقدرة اللغوية او اختلاف الثقافات وحيثياتها او حتى تكون عن قصد و هدف ما. بالنتيجة حدث ما لا يُحمد عقباه فوصلت تلك النُسخ المُترجمة الى ملايين الناس الذين ساءوا الظن بالإسلام ورسالته بجريرة من ترجمه. وعلى الرغم من عمليات الترجمة التي حدثت في العقود الثلاثة الاخيرة والتي جرت تحت اشراف هيئات وعلماء لتصحيح ما فات إلا ان عواقب تلك الترجمات السيئة اتت نتائجها على العرب و دين الاسلام.

وهنا نود ان نبين مسألة في غاية الاهمية وهي انه لو جاز ترجمة القرآن الكريم الى لغة غير العربية لجاز معها الصلاة و القراءة كل بلغته ولأصبح هناك عشرات ان لم يكن مئات من القرآن الكريم. فالقرآن عربي و الحفاظ عليه يجب ان يكون كما اُنزل بألفاظه وآياته ومعانيه كون ترجمات المُترجمين وتفسيرهم لألفاظه ومعانيه قد تتغير بمرور الزمن او بتعدد الافكار لأنها تدور كلها في دائرة الاحتمالات التفسيرية. فما يفهمه مُترجم ما ليس بالضرورة هو ما يفهمه مُترجم اخر. ان ابقاء النص القرآني كما هو يؤدي الى إفساح المجال لاستنباط الاحكام والافكار والقوانين والمناهج والعبر.

وعليه فأن الحل الذي سيحافظ على قدسية القرآن الكريم لكنه يُسهم في نشر الدين هو ما يُعرف باسم الترجمة التفسيرية. بمعنى ان تُترجم رسالة القرآن الكريم و معانيه و افكاره واحكامه من غير ان تُمس الفاظه وكلماته. فيبقى القرآن عربياً كما اُنزل و تُنقل رسالته وفحواه الى اللغات غير العربية.


الترجمة - ترجمة القرآن الكريم - الجواز و الانكار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


جزاك الله خير يادكتور موضوع مهم جداً


جزاكم الله خيرا الدكتور أنس .. موضوع جد رائع وممتاز .. يستحق النشر .


و جزاكم الله المثل واكثر اخوتي في الله و زملائي دكتور معتز يوسف احمد و دكتور احمد محمد عثمان. عسى الله تعالى ان يهدي زملائنا اصحاب القرار في منصتنا منصة اريد لنشره هذه المُدونة كمقالة لما فيها من خير للغتنا و كتابنا الكريم. تحياتي لجنابكم الكريم