دور البيانات الضخمة في إنشاء المدن الذكية
د. رداد الكنج | Raddad Al King, PhD
11/12/2020 القراءات: 3187
مرت البشرية، منذ نشأتها الأولى، بمراحل مفصلية عديدة. فبعد مرحلة "الجمع والالتقاط" التي اعتمد فيها البشر على الصيد واكتشفوا كيفية استخدام النار، كانت مرحلة "المجتمع الزراعي" التي اعتُمِدَ فيها على الرعي والزراعة، ووصل البشر فيها إلى مستوى معيشي جيد. وبعد أن تراكمت لديهم الكثير من المعارف المتعلقة بالزراعة وتربية الحيوانات، تم الانتقال إلى مرحلة "المجتمع الصناعي" التي اتسمت بزيادة الإنتاج وتبادل المنتجات، وحققت مستوى مقبولاً من الرفاهية للبشر. إلا أنه في نهاية القرن العشرين، دخلت البشرية في مرحلة "مجتمع المعلومات" التي اعتُبرت حقبة جديدة حصل فيها البشر على العديد من وسائل الرفاهية، وأصبحت أنماط الحياة وطرق العيش تتطور على نحو متسارع. ورافق هذا النمو المتسارع ازدياد حجوم المعلومات المخزنة التي تشمل مختلف مجالات الحياة.
لقد قدم لنا "مجتمع المعلومات" حياة عالية الجودة سريعة التطور، ولكن في نفس الوقت ظهرت العديد من التحديات. فظهرت مشاكل التلوث البيئي الذي يهدد صحة الإنسان ويؤثر على الموارد الطبيعية المتاحة. كما ظهرت مستويات غير مسبوقة من تفاوت توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء والاستقطاب الاجتماعي وازدياد البطالة وغيرها من القضايا المهمة التي يجب معالجتها قبل دخول البشرية المرحلة الجديدة الذي يُطلق عليها أحياناً "المجتمع المعرفي".
ويفقد هذا التطور الكثير من قيمته ما لم يترافق بإيجاد حلول للمشاكل الناجمة عنه. ولذلك أصبح مصطلح "المدن الذكية" شائعاً في الأوساط العلمية والأكاديمية. فمع توفر تقنيات: التطبيب عن بُعد ووسائل النقل الذكية والإدارة البيئية الذكية وشبكة الكهرباء الذكية وغيرها من الخدمات الذكية، كان لا بُد من الاستفادة من قوة "البيانات الضخمة" (Big Data). فلا تستطيع تقنيات إدارة البيانات التقليدية التعامل مع البيانات غير المهيكلة التي تستخدمها الخدمات الذكية.
ومن أجل جعل المدن الذكية أكثر فائدة، تحتاج الخدمات الذكية إلى استخراج معلومات دقيقة وصحيحة من البيانات الضخمة، واستخدام هذه المعلومات في فهم المشاكل واتخاذ قرارات صحيحة تسهم في حلها، وتوفر تنبؤات أكثر دقة للمستقبل.
فمع انتشار إنترنت الأشياء، يمكننا جمع البيانات البيئية من كل مكان في المدينة، ويمكننا اكتشاف التلوث في الوقت المناسب وتتبع مصدره ومعالجته.
ومع توفر الأجهزة القابلة للارتداء، يمكن التقاط المعلومات الصحية وجمعها في أي وقت وفي أي مكان. فلا يحتاج الأطباء ولا المرضى إلى المكوث في نفس الموقع؛ حيث يمكن للطبيب الوصول إلى المعلومات الصحية وتقديم الخدمات الطبية للمرضى عن بعد وفي الوقت المناسب.
واستخدام البيانات الضخمة لاستخراج المعلومات المتعلقة بالمرور يجعل خدمات النقل الذكية أكثر كفاءة، فيمكن التنبؤ بالازدحام ويمكن جعل القيادة الآلية موثوقة أكثر. ومع نمو استخدام الطاقات المتجددة، يمكن استخدام الألواح الشمسية وعنفات الرياح لجعل المنازل مكتفية ذاتياً من الطاقة الكهربائية ويمكن أيضاً بيع الفائض منها. فمن خلال شبكة الكهرباء الذكية، لم تعد الكهرباء مجرد مصدر للطاقة بل أصبحت سلعة. والإدارة الجيدة لهذه الشبكة ولوحدات الطاقة الموزعة على مساحات جغرافية متباعدة لا يمكن أن تنجح من دون البيانات الضخمة.
ويمكن للمدن الذكية المستخدمة لتقنية البيانات الضخمة أن تقلل من هدر الموارد وتزيد من كفاءة إدارة الطاقة والموارد المتاحة. ويمكن أن توفر البيانات التعليمية الضخمة التعليم لعدد أكبر من الناس، وتخلق المزيد من الفرص المتكافئة وتحد من البطالة، وكل ذلك يسهم في تحقيق استراتيجيات التنمية المستدامة. "المدن الذكية" هي محاولة البشر لبناء مستقبل أفضل، و"البيانات الضخمة" هي تقنية لا غنى عنها لإنشاء هذه المدن.
"البيانات الضخمة" ، "المدن الذكية"
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع