مدونة د. طه أحمد الزيدي


حكم العمل في المؤسسات الاعلامية

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


29/11/2019 القراءات: 7801   الملف المرفق


إنّ العمل في الشريعة الإسلامية مشروع بقصد الكسب الحلال الطيب الذي يعين صاحبه على حفظ الضروريات وتحصيل الحاجيات وإدراك التحسينيات، وهو يتعلق بطبيعة العمل ومجاله، في أن يكون متفقا مع احكام الشريعة ومقاصدها.
أولا: تصنيف مؤسسات العمل الإعلامي، فهي لا تخلو من اربعة:
1-مؤسسة مجال عملها كله مشروع مباح وتلتزم بالضوابط الشرعية؛ مثل الشركات والمؤسسات الإعلامية التي تختص بإنتاج أو نشر أو إذاعة أو بث تسجيلات القرآن الكريم، والعلوم الشرعية والمسائل النافعة.
2-ومؤسسة مجال عملها كله محرم؛ مثل الشركات والمؤسسات الإعلامية التي تباشر اعمالا منهيا عنها شرعاً، تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كالتي تختص بإنتاج أو نشر وإذاعة وبث المحرمات، كالأغاني أو الافلام أو الدعايات، التي تشيع الفواحش والمنكرات أو يصاحب انتاجها محظورات شرعية.
3-ومؤسسة مجال عملها يختلط فيه الحرام بالحلال، والحرام أغلب.
4-مثلها، والحلال اغلب.
وأصل هذا التفصيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:: ( إن الحلال بَيِّنْ، والحرام بَيِّنْ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمي يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله محارمه). أخرجه البخاري ومسلم
ثانيا: حكم العمل على ضوء هذا التصنيف، وأخذ الأجرة عليه
1-العمل في النوع الأول جائز شرعا، وفي النوع الثاني محظور شرعا، لأن العمل فيهما من باب اعانتهما، فالأول على البر والتقوى، والثاني على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  (سورة المائدة:2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى:  يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ  (سورة المؤمنون:51))أخرجه مسلم.
فالحلال يجوز للإنسان أن يفعله لنفسه أو لغيره، والمحرم لا يجوز للإنسان أن يفعله لنفسه أو لغيره، وعليه فالكسب المحصل من أجرة العمل في النوع الاول فهو حلال طيب، ومن أجرة العمل في النوع الثاني فهو حرام سحت خبيث.
2-وأما العمل في النوعين الثالث والرابع، فالتكييف الفقهي لهما هو اختلاط الحلال بالحرام، وقد ذكر الإمام الزركشي الشافعي قاعدة إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم، غلب جانب الحرام، مستدلا أن عثمان رضي الله عنه لما سئل عن أختين بملك اليمين، فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحريم أحب إلينا، قال الائمة: وإنما كان التحريم أحب ؛ لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم، وذلك أولى من عكسه، ثم نقل عن الماوردي وجها فيه تفصيل، أنه يغلب الحظر وهو قول الأكثرين، فيما إذا امتزج فيه حظر وإباحة، فأما ما لا مزج فيه فلا يوجب تغليب الحظر، كالأواني أن كان بعضها نجسا لم يمتنع من الاجتهاد.(المنثور في القواعد للزركشي1/50)
وفي هذه المسألة، فقد اختلف الفقهاء السابقون والمعاصرون في حكم الكسب من العمل فيما اجتمع فيه الحلال والحرام، وبناء على القاعدة السابقة فالذي يترجح لدينا التفصيل في ذلك، على وفق الاتي:
1-إذا اجتمع في عمل المؤسسة الإعلامية الحلال والحرام، والحرام أغلب وأظهر، فاصل العمل فيها الحرمة، لأن فيها إعانة على الإثم وهو الغالب، وكسبها خبيث، ولا يجوز الا لضرورة معتبرة بضوابطها، وهي:
-أن يكون مضطرا للعمل فيها لإلحاح الحاجة إلى العمل أو اكتساب خبرات ومهارات، بعد الاجتهاد في التحري عن عمل مباح ولم يحصل عليه، لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (سورة البقرة: 173)، علما أن الضرورة المعتبرة شرعاً تختلف بحسب حال المسلم، والمجتمع الذي فيه، فهي في المجتمعات غير الإسلامية أشد.
-إن كان لا مزج بين العمل المحرم والمباح، فالحرص بقدر الاستطاعة على تجنب العمل في الإدارات والأقسام التى تنفذ أعمالا منهيا عنها شرعاً، لقوله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (سورة التغابن: 16(، وقد أمرنا الله تعالى فى تجنب الاماكن التي يجتمع فيها الكافرون والمنحرفون، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (سورة النساء:140)، يقول القرطبي(5/418): كل من جلس فى مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم فى الوزر سواء، وينبغى أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغى أن يَقُوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية، ونقل عن ابن العربى قوله: وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل، فبطل بهذا كله قول من زعم أن مجالستهم جائزة إذا صانوا أسماعهم.
- إنكار ما في المؤسسة من المنكرات والمخالفات بالطرق المشروعة، ونصح صاحب المؤسسة بضرورة الامتناع عن القيام بالأعمال المنهي عنها شرعاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وحديث: (الدين النصيحة) أخرجهما مسلم.
- الحرص على ايجاد عمل لا يخالطه الحرام، ومتى وجده انتقل اليه، وان كان فيه فقد بعض الامتيازات التي لا تؤثر على ضرورياته وحاجياته.
2- إذا اجتمع الحلال والحرام، والحلال أظهر، ولا يمزج المحظور في الحلال فاصل العمل فيها الجواز.


حكم الاعلام- العمل الاعلامي- فقه اعلامي- الاجور الاعلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع