مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
عنوان المقالة: الأمل روح الأمة
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
05/07/2020 القراءات: 4855
الأمل روح الأمة
ابتليت الأمة بنكبات كثيرة علي مر الدهور والأزمان حتى إلى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلي بها أمة أن يتسرب اليأس إلي القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل، فما أحوجَنا إلى الأمل
من يدري؟ ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس قد قال الله:تعالى ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة: 216) وقال سبحانه: ﴿ .... فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
الأمل: هو توقع حدوث شيء طيب في المستقبل مستبعد حصوله، وانشراح النفس في وقت الضيق والأزمات، وهو عبادة الوقت.
الأمل للأمة كالروح للجسد: فلولا الأمل ما بنى بان، ولا غرس غارس، ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن غالبا من تحقيق انجازه من أول مرة، فأديسون بعدما أخطأ 999 مرة نجح في صنع أول مصباح كهربائي.
وإلا فما يدفع الزارع إلى الكد والعرق ويرمي بحبات البذور في الطين؟ إنه أمله في الحصاد وجني الثمار.
وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟ إنه الأمل في الربح.
وما الذي يدفع الطالب إلى الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة؟ إنه أمله في النجاح.
وما لذي يحفز الجندي إلى الاستبسال في القتال والصبر على قسوة الحرب؟ إنه أمله في إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.
وما الذي يجعل المريض يتجرع الدواء المرّ، وربما في ببعض الأحيان أن يقطع من جسده في عملية جراحية؟ إنه أمله في العافية.
وما الدافع الذي يجعل المؤمن يسلك سلوكاً تكرهه نفسه وبه يخالف هواه ويطيع ربه؟ إنه أمله في مرضاة خالقه والجنة.
فالأمل قوة دافعة تشرح الصدر وتبعث النشاط في الروح والبدن، واليأس يولد الإحباط فيؤدي إلي الفشل.
والأمل صفة الأنبياء عليهم السلام، فموسى عليه السلام: ولد بالأمل ويعيش بالأمل منذ كان رضيعاً في اليم: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7].
ويخرج مطارداً إلى مدين: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22].
وفي القرن العشرين وقعت حربان عالميتان وكانت الثانية منهما أشد من الأولى ودفع ثمن الثانية اليابان وألمانيا فضربت اليابان بالقنابل النووية وألمانيا تم شطرها إلى غربية وشرقية ودمرت البنية التحتية نهائياً، ولكن بالأمل أصبحت اليابان في خاتمة القرن العشرين من أقوى الدول اقتصادياً على مستوى العالم، وتوحدت ألمانيا وأصبحت من أولى الدول صناعياً واقتصادياً.
أما اليأس فتوأم الكفر لأنه سوء ظن بالله سبحانه، قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وحكم علي اليائسين بالبوار فقال تعالى: ﴿ بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا ﴾ [الفتح: 12].
والقنوط صفة أهل الضلال، قال رب العزة سبحانه: (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾ [الحجر: 56].
فلا تقنطوا ولا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا زال في الوقت متسع، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبنا المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يبقى ضعيفاً طوال حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين، قال الله تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5].
الأمل، روح الأمة، منحة، اليأس، القنوط
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مقالة ملهمة و محفزة شكرا سعادة ا.د.محمد محمود كالو ، الرجاء رفد المنصة بالمزيد من هذه المقالات العلمية لخدمة الحركة العلمية للناطقين بالعربية وبغيرها