مدونة د. ميثاق صادق محمود هزاع المليكي
مقصد خصوصية الرحمة في العشر الأولى من رمضان/ في ظل تفشي فيروس كورونا
د.ميثاق صادق المليكي | Dr.Methaq sadeq Almuliki
22/04/2020 القراءات: 5994
أخي الكريم ... أختي الكريمة... رمضان كريم وكل عام وأنتم بألف خير وصحة وعافية... بلا شك أن آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لها مقصد وحكمه يجب على المؤمن العلم بها حتى يكون مدركا للمقصود بما أمر به المولى عز وجل، وها هي الأمة الإسلامية داخلة في شهر رمضان شهرٌ قال فيه النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم (شهر رمضان أوله رحمه وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار) صحيح ابن خزيمة، فالرحمة: هي الرقة والود فهو سبحانه وتعالى سمى نفسه الرحمن فهو يرحم ويرق على عباده، فرحمة الله على هذا الكوكب لم تكن عامة فقط بل عامة وخاصة. فالرحمة العامة: وهي التي يرحم الله بها الناس كلهم مؤمن وكافر ومشرك وملحد وغيره، قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ الشورى: 28 فالغيث هو المطر وهو رحمته سبحانه وتعالى، وليس خاصا بمؤمن وعابد وناسك لله، بل جعله الله رحمة للعالمين. وأما الرحمة الخاصة: وهي المخصصة في العشر الأولى من رمضان للمؤمنين والمحسنين والعابدين، وما أحوج الأمم الآن شرقا وغربا بل شمالا وجنوبا لرحمة الله.. وخاصة في ظل انتشار هذا الوباء القاتل والهالك للبشرية. فكيف لنا كمؤمنين أن نعرف إننا من المدركين لرحمة الله وخاصة في العشر الأولى من رمضان، اسمعْ ماذا يقول الله تعالى ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف: 56 ومن هم المحسنين؟؟ هم من يستشعرون بالعبادة ولذتها، وهم من يحسون بالراحة النفسية والقلبية عند الإقبال على الله باي عبادة يفعلونها، أما الذي لا يشعر ولا يستشعر بلذة العبادة والمناجاة لله فهو المحروم من رحمة الله عز وجل أجارنا الله وإياكم من الحرمان من رحمة الله. إذن لماذا بالذات خصَّ صلى الله عليه وسلم العشر الأولى من رمضان بالرحمة؟ الله رؤوف ورحيم بعباده وهو جلَّ شأنه يعلم أن عباده طوال السنة يدخرون الذنوب والسيئات، فخُصصتْ هذه العشر الأولى من رمضان بالرحمة لكي يجد ويجتهد العبد بالإقبال على الله بالعبادات، حتى ينال ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث وآخره عتق من النار، ولأنه أيضا لا يمكن عقلاً أن يغفر الله لعباده ويعتقهم من النار وهو لا يرحمهم، فالمغفرة والعتق، بل وكل شيء يعطيه الله للإنسان يأتيان برحمة الله للعبد، فسبحانه القائل: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ الأعراف: 156 ولنا مثال في حياة الإنسان مع الإنسان، ولله المثل الأعلى ... هل يستطيع الإنسان أن يعفو ويصفح عن الذي ظلمه وهو لم يرق قلبه له ولم يرحمه؟ طبعا لا... لأنه لم تدخل الرحمة إلى قلب المظلوم... فلو دخلت الرحمة فلسوف يعفو عنه ويصفح له، فرحمة الله لها فضل كبير عند الله... حتى الأنبياء بقربهم من الله يطلبون ويتمنون رحمة الله ومنهم سيدنا سليمان بعد كل الملك الذي اتاه الله وما علمه من منطق الطير ينادي الله عز وجل، أتظن أن ندائه لله يريد أن يبقى متربعا على عرش الملك ؟؟ لا... بل يريد أنه يدخله الله في رحمته الخاصة قال تعالى ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ النمل: 19 أتدري أخي المؤمن ما الذي تعمله رحمة الله في عبادة إذا نزلت عليهم وخاصة في العشر الأولى من رمضان؟ إذا نزلت على العاصي لوالديه أو على شارب الخمر أو على قاطع الطريق أو على الذي يأكل حقوق الناس يرق قلبه ويتجه إلى الله بذل واعتراف بالذنب طالبا رحمة الله، وكذلك إذا نزلت على المريض شُفي من مرضه وكم يعاني الكثير من الناس من أمراض مستعصية كفيروس كورونا، وغيرها من الأمراض التي لا يستطيعوا أن يجدوا لها علاج مع وجود التقدم في التكنولوجيا الطبية، أتدري لماذا لا يجدوا العلاج؟ رحمة الله الخاصة مفقودة!! والعالم الإسلامي اليوم يعاني بشدة من ضعف الرحمة الخاصة، ولا يوجد تحديثات إيمانية للرحمة المخصوصة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم، بل صار الأغلب من المسلمين للأسف ينظرون لعلماء الدين بصورة احتقار واستهزاء بحجة أنهم لم يقدموا شئيا يخدم الأمة في أزماتها، وصاروا محدِّقين أعينهم ليلا ونهارا إلى التحديثات الغربية في الطب الحديث ينتظرون ما العلاج الذي سيكتشفونه لصد هذه الجائحة المميتة، مع أن رسولنا الأكرم علَّم المؤمنين كيف يوقِّفوا هذه الأمراض المزمنة ويستعيذوا منها فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام) سنن أبي داوود 1556. فسيئ الأسقام هي الطعون، هي فيروس كورونا هي السرطان، يا سبحان الله كلمات خفيفة على اللسان لا تحتاج إلى معامل طبية حديثة ولا تحتاج إلى مخترعين ولا تحتاج أي شيء مما يقال عنه اليوم، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وأصحابه الكريم يعلم أصحابه ويتعالجوا من هذه الأمراض، كانوا رضوان الله عليهم لم ينتظروا كافرا ولا يهوديا ولا نصرانيا يكتشف لهم علاج، بل كانوا يبحثون عن مواطن رحمة الله ويتداركونها فيقيهم الله من كل شر، فأمامك أخي المؤمن الكريم عشرة أيام بلياليها توجه إلى الله بذل وانكسار وتوبة ولسوف يرحمنا الله ويرفع عنا كل بلاء أنه رحيم بعباده أجرنا الله وإياكم من كل شر أنه على كل شيء قدير... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقصد / الخصوصية / الرحمة / العشر الأولى من رمضان / فيروس كورونا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة