مدونة الدكتورة حليتيم سراح


📌وقفات تدبرية: ١.وقفة مع حادثة اتهام بنيامين (أخ يوسف) بالسرقة.

الدكتورة سراح حليتيم | Dr. Sarah HALITIM


15/03/2024 القراءات: 837  


         ⚜️ وقفات تدبرية⚜️
📌 ١.وقفة مع حادثة اتهام بنيامين (أخ يوسف) بالسرقة.

📜 الآية 70 من سورة يوسف، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [سورة يوسف: 70].
               •┈┈••••○○❁○○••••┈┈•
١. يوسف كان قد اشتاق لوالده، ويعلم مكانة أخيه عند أبيه، فلماذا عمِد إلى حبسه وهو يعلم أن هذا الفعل يعذب أبيه؟
٢. لماذا اختار يوسف بالضبط حادثة السرقة، ولماذا لم يختار تهمة أخرى كاتهامهم برمي أخيهم الأصغر في البئر كما فعلوا به طالما أنها الحادثة الفارقة بينهما؟
٣. مالهدف الأساسي والخفي من هذه الحادثة؟
٤. لماذا قال إخوة يوسف (فقد سرق أخ له من قبل) بالرغم من أن المتحدث عنه غائب منذ زمن بعيد جداً، والحديث يدور حول بنيامين فقط؟
                •┈┈••••○○❁○○••••┈┈•
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أما بعد؛
١. ما فعله يوسف عليه السلام كان بوحي من الله عز وجل له، وكان يعلم أن أبيه مسلَّح باليقين بالله عز وجل، لذلك تصرف بكامل حريته، فالذي أوحى إليه ذلك بحكمته، هو ذاته الذي ربط على قلب أبيه برحمته.
٢. هل يجوز للمرء اتهام نفسه أو غيره بفعل هو برئ منه من أجل تبيان حكم معين، نعم؛ هذا ما يسمى بالحيل الشرعية في بيان السياسة الحكمية، ولا تجوز إلا لمن وهبه الله الفراسة في التمييز بين الوقائع، والفِراسة ليس علم النفس بل هي أقدس لأنها تصرف بمعية الله وبأمر الله (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله).
٣. لماذا بالضبط حادثة السرقة: حادثة البئر تمت فقط بين يوسف وإخوته، وهي الحادثة الفاصلة بينهما، وكان فيها ضحية بصفة مطلقة، فلم يرجع ولم يقف للدفاع عن نفسه، ولم يوضع في قفص الاتهام، لكن حادثة السرقة، فقد اتهم في صغره من قبل عمته بسرقة حزام الأنبياء الذي وصلهم من أبيهم إسحاق عليه السلام، وهي حيلة منها فهي من وضعت الحزام على يوسف ثم أذنت في الملأ أن الحزام سُرق، وفعلت ذلك لاستعباده، لأنه من يسرق يُستعبد، وقد انتشر خبر السرقة، ولم يكن ليوسف فرصة للدفاع عن نفسه أو توضيح الأمر لأن الأدلة الماديةضده، طالما أنهم وجدوه عندك فأنت متهم بالسرقة.

٤. بعد عدة سنوات، تغير الناس وصار يوسف عزيز مصر، لكن لازال يتذكر قصة السرقة ولم ينساها، فالصَّادق لا يتوقف عن الدفاع عن نفسه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
٥. كان بإمكان يوسف من الوهلة الأولى التي رأى فيها إخوته، أن يعرفهم بنفسه ويبعث بمن يأتي بأبيه شفقة ورأفة عليه، لكنه عمد إلى هذه الحيلة التي أخرجت أضغان قلوبهم، ففي نظرهم يوسف العزيز الحاضر هو من المحسنين، أما يوسف الغائب فهو من السارقين.
٦. وهذه نقطة مهمة جداً، الواقعة حدثت أمامهم، ورأوا الدليل بأعينهم، والمتهم هو بنيامين، لكن لماذا قالوا عن بنيامين (إن يسرق) إن: أي من باب الشك، ولكن قالوا عن يوسف (فقد سرق) فقد: التأكيد الجازم، بالرغم من أن الحادثتين متشابهتان: لأنهم على علم أن السرقة وقعت في قصر العزيز وأنه سيجري تحقيقاً للتأكد من الواقعة، أما واقعة يوسف فالجميع شهد عليها بالإجماع فهي لصيقة به، ولا دليل ولا تحقيق لتبرئته، فاتهموا بكامل حريتهم.
٧. ما دخل يوسف في الواقعة!؟ لماذا تكلموا عنه، وقد رموه في البئر ومن المحتمل أن يكون ميتا؟ ذلك لأن حقدهم على يوسف ملتصق بإسمه أينما وكيفما ذُكر حياً أو ميتا حاضرا أو غائباً، وهنا كما قال الشافعي رحمه الله: (وَدارَيتُ كُلَّ الناسَ لَكِن حاسِدي، مُداراتُهُ عَزَّت وَعَزَّ مَنالُها، وَكَيفَ يُداري المَرءُ حاسِدَ نِعمَةٍ، إِذا كانَ لا يُرضيهِ إِلّا زَوالُها).
٨. يوسف عليه السلام على قدر أمانته اتهم بالخيانة، وعلى قدر صدقه اتهم بالكذب، وعلى قدر عفته اتهم بالفواحش، وعلى قدر إحسانه اتهم بالحسد، وهذه الاتهامات لا تصدر إلا ممن كانت فيه، فكل وعاء بما فيه ينضح، تحت شعار إذا عمت خفت.
٩. فأسرَّها يوسف في نفسه: للوهلة الأولى لم يكشف أنه كشف أمرهم، تظاهر بالتغافل واللامبالاة، وهذا من حكمته عليه السلام، ومن شدة كشفه لمدى حقدهم عليه، وهو غائب عنهم منذ عدة سنوات.
١٠. بعد أن واجههم بفعلهم قالوا (قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٔينَ)، شهدوا له بالإصطفاء والصدق،واعترفوا بجرمهم وطلبوا منه ومن أبيه أن يستغفر لهم، لكن السؤال المطروح، ماذا لو جرت نفس الأحداث ونفس المواقف، لكن كان يوسف عاملاً أو خادماً في القصر، هل سيعترفون بصدقه وكذبهم ويطلبون منه أن يغفر ويستغفر لهم، أم أنهم سيلزمونه هو بالتوبة والإستغفار، طبعاً لو كان يوسف في موقف آخر لطلبوا وأكدوا عليه بأنه مذنب ويجب عليه أن يستغفر ويتوب من كل الأفعال المنسوبة إليه، زورا وكذبا، حقداً وحسداً.
• قصص يوسف عليه السلام، هي زاد المؤمن، وكل آية وكل واقعة فيها من العبر والدروس ما يثبت به النفوس.
بقلم: دة. سراح حليتيم.


سورة يوسف،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع