تقييم بروتوكول باريس الاقتصادي وإمكانية الانفكاك الاقتصادي
د. رائد محمد حلس | Dr-Raid Mohammed Helles
17/04/2020 القراءات: 4381
عند تقييم العلاقة التعاقدية مع الاحتلال الإسرائيلي منذ دخول برتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1994 مرحلة التنفيذ نجد أن بنود البرتوكول كانت إجرائية تتعلق بتسيير التبادل التجاري الذي يوافق عليه الاحتلال، ولا يضر بالمصلحة الإسرائيلية، ليس ذلك فحسب فقد استخف الاحتلال الإسرائيلي بجميع بنود البرتوكول، وفسرها بما يحلو له وتصرف في كثير من الأحيان دون أي اعتبار لبنود البرتوكول، واستغل الثغرات التي تضمنها بصورة مضرة بالتجارة الفلسطينية بشكل خاص والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، فسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الفلسطينية والحدود مع الأردن ومصر مكنه من تعطيل التجارة الخارجية الفلسطينية تصديراً واستيراداً، وبالتالي حد من إمكانية قيام السلطة الفلسطينية بصياغة سياسات تجارية مستقلة.
إن استمرار العمل بهذا البرتوكول وبالشكل ذاته سيقود إلى تعطيل الاقتصاد الوطني واستمرار التراجع فيه لدرجة التوقف التام أو الانهيار، لذلك ليس أمام الاقتصاد الفلسطيني سوى خيارين إما العمل بشكل جدي نحو تغيير هذا البرتوكول والتخلص منه بشكل كامل، أو تطبيق هذا البرتوكول بشكل كامل.
إمكانية الانفكاك الاقتصادي مع اقتصاد الاحتلال
إن الانفكاك الاقتصادي مع اقتصاد الاحتلال الذي كرسه بروتوكول باريس الاقتصادي يتطلب التعامل مع الانفكاك الاقتصادي بقدر وافٍ من الجدية والسعي لتطبيقه على أرض الواقع، أي يجب ألا يكون قرار الانفكاك فقط للتهديد السياسي، خاصة أن إسرائيل نجحت في ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي بشكل قسري، وأفرزت العديد من الاختلالات والتشوهات في البنية الاقتصادية، وحالت دون تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
إن تطبيق الانفكاك الاقتصادي مع اقتصاد الاحتلال قد لا يكون سهلاً، ولكنه ليس مستحيلاً، وبالتالي، هناك خطوات وإجراءات تستطيع الحكومة الفلسطينية تطبيقها، ومن شأنها إحداث تغيير جوهري في العلاقات الاقتصادية القائمة، خاصة لجهة إحداث إصلاح جوهري للتشوهات والاختلالات التي سببها الاحتلال من خلال السيطرة على الأرض والموارد والحدود والمعابر بجانب إبقاء السياسة الاقتصادية والتجارية والمالية الفلسطينية رهينة للسياسات الاقتصادية والتجارية والمالية الإسرائيلية، وذلك باتباع توجهات استراتيجية بديلة تحل محل الزواج الأبدي مع الاقتصاد الإسرائيلي والأسواق الإسرائيلية والوسطاء الإسرائيليين للحد من التبعية الاقتصادية وإضعاف هيمنة الاقتصاد الفلسطيني على النشاط التجاري الفلسطيني، وهذا يمكن تطبيقه بتعزيز القدرات الذاتية للاقتصاد الفلسطيني، وتقليص الارتهان المعيشي الفلسطيني لإسرائيل، وتنويع العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية ودول العالم الخارجي، وكذلك تقليص قدرة إسرائيل على استغلال الاعتماد المفرط عليها لتمرير سياسة التعايش مع الإملاءات الاقتصادية والأمنية والسياسية والإسرائيلية والتأقلم معها، عبر التوصل إلى ترتيبات اقتصادية وتجارية بين الاقتصاد الفلسطيني والدول المجاورة ودول العالم الخارجي، بما فيها إسرائيل، ولكن على أسس جديدة وخارج إطار بروتوكول باريس الاقتصادي، وذلك لتفكيك علاقة التبعية مع اقتصاد الاحتلال والحد من استخدام مثلث الأمن والسياسة والاقتصاد في التعامل مع الأراضي الفلسطينية والانتقال بالاقتصاد الفلسطيني من اقتصاد صغير وضعيف وتابع، إلى اقتصاد قوي ومستقل ذي قاعدة إنتاجية قادرة على خلق فرص عمل وتوفير منتجات وطنية محلية ذات جودة عالية وقادرة على المنافسة، وتحل محل المنتج المستورد، وبخاصة المنتج الإسرائيلي.
بروتوكول باريس الاقتصادي - التبعية الاقتصادية - الانفكاك الاقتصادي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة