العُلومِ الدّينيَّةُ في عَصْرِ المَماليكِ ( الجزء الثاني)
د. محمد إمام أحمد مغربي | Dr. Mohammed Emam Ahmed Maghreby
08/06/2020 القراءات: 3290 الملف المرفق
اولاً : عوامل الإزدهار العلوم الدينية في عهد الدولة المماليك :
تلفَت المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون لأنفسهم عن ملجأ يلجأون إلية ومأوي يأوون فيه بعد كل النكبات المتلاحقة ( في عهد التيار ) وبعد سقوط أكبر دولتهم سقوطاً نهائياً ، وهي الدولة العباسية سنه 656ه ، فلم يجدوا أمامهم غير مصر وبلاد الشام ، فتوجهت أنظار المسلمين إلى مصر وبلاد الشام ، لذلك انتقل النشاط العلمي والديني من العراق وبعداد إلى مصر وبلاد الشام .
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه:
ماهي العوامل التي أسهمت في إزدهار العلوم الدينية في تلك الفترة ،ويمكن إجمالها فيما يلي :
1 – تشجيع واهتمام سلاطين المماليك بالعلم :
لقد شهد العصر المملوكي مجموعة من السلاطين ذوي الشخصيات العلمية الواعية التي تدرك دور العلم في بناء الدولة والمحافظة على كيانها ، فكان لتشجيع هؤلاء السلاطين للحركة العلمية الأثر البارز في ازدهارها فى العصر المملوكي ، وكذلك انتقال الكثير من أهل العلم الي المشرق الاسلامي . ولا يخفى اهتمام السلاطين بالعلوم والآداب على اختلاف مناهجها، ولاسيما دعمهم الواضح لحركة النشاط الديني في علوم القران والحديث والفقه، الأمر الذي يدعّم مواقفهم السياسية التي انتهجوها. فقد أَكثَرَ المماليك من بناء المدارس والجوامع والرُّبَط والخوانك لتكون قبلة أهل العلم وطلاب العلم ينهلون منها العلم في شتى ميادين المعرفة .
2- اهتمام سلاطين المماليك بأهل العلم :
ومن عوامل إزدهار العلوم الدينية اهتمام السلاطين بالعلماء ووضعهم في مكانة سامية في المجتمع ، لينالوا بذلك احترام السلاطين والمجتمع المملوكي ، فكان العلماء في العهد المملوكي ، يحضون بالإجلال لعلمهم وفضلهم وتقديراً لدورهم الميز الذي يمارسونه في رفعة الأمة الإسلامية .
وقد حرص سلاطين المماليك على الظهور بمظهر الحامي والراعي للأمة الإسلامية ، فاستقبلوا العلماء والفقهاء والدعاء والمفكرين من مشارق الارض ومغاربها وابتنوا لهم المراكز العلميه والمدارس والمعاهد والمكتبات في القاهرة والشام ، وبل وحضر السلاطين المماليك بأنفسهم مجالس العلم والتعلم وحثوا أولادهم ونساءهم ومماليكهم،على التفقه والتعلم.
وذكر لنا كتب التاريخ نماذج كثيرة من اهتمام السلاطين والأمراء المماليك بالعلماء .
فيذكر المقريزي مترجماً " الملك الظاهر برقوق (784 - 791هـ) " : " ويجل أهل الخير ومن ينسب إلى الصلاح. وكان يقوم للفقهاء والصلحاء إذا دخل أحد منهم عليه، ولم يكن يعهد ذلك من ملوك مصر قبله. وتنكر للفقهاء في سلطنته الثانية من أجل أنهم أفتوا بقتله، فلم يترك إكرامهم قط مع شدة حنقه عليهم " [ المقريزي ،المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ،ج2 ، ص500 ] .
ويذكر ابن حجر العسقلاني في ترجمة الملك المؤيد (815 - 824هـ) : " ... وكان شهماً شجاعاً عالي الهمة كثير الرجوع إلى الحق محباً في الشرع وأهله صحيح العقيدة كثير التعظيم لأهل العلم والإكرام لهم والمحبة في أصحابه والصفح عن جرائمهم، ومحاسنه جمة [ ابن حجر العسقلاني ، إنباء الغمر بأبناء العمر ، المحقق: د حسن حبشي ،ج1 ،ص490 ].
ويذكر ابن تغري بردي في ترجمة الملك الظاهر جقمق (842 - 857هـ) : " وكان معظماً للشريعة ، محباً للفقهاء وطلبة العلم، معظماً للسادة الأشراف، وكان يقوم لمن دخل عليه من الفقهاء والصلحاء كائناً من كان، وكان إذا قرأ عنده أحد فاتحة الكتاب نزل عن مدورته وجلس على الأرض تعظيماً لكلام الله تعالى،...[ ابن تغري بردي ، المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ،حققه ووضع حواشيه: دكتور محمد محمد أمين ، تقديم: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور ،ج1 ،ص389].
وكان السلطان الأشرف برسباي (825 - 841هـ) منقادًا للشرع، يحب الفقهاء ويقرِّبهم، وكانت له ثقة في القاضي عبدالله بن عبدالباسط، فكان منقادًا له كما ينقاد الطفل إلى أبيه، وله كلمة مسموعة لديه، يدلنا على ذلك أنه عندما تضرر الناس بسبب أمر السلطان بعدم زراعة قصب السكر إلا للسلطان فقط، تكلم معه القاضي عبدالله بن عبدالباسط في ذلك، فعندئذٍ أذِن للناس في زراعته[ ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، ص 126 ] .
3-اهتمام سلاطين المماليك بطلبة العلم :
ومن عوامل إزدهار العلوم الدينية في عهد الدولة المماليك سياسة المماليك الدينية ، اهتمامهم بطلبة العلم لذلك كفلوا لهم الرعاية والنفقة والكسوة صيفاً وشتاءا ، ليوفروا لهم الجو الدراسي الملائم للتعلم .
4- اهتمام السلاطين بنشر الوعي الديني في الدولة :
ومن عوامل إزدهار العلوم الدينية – أيضاً - في عهد الدولة المماليك ، اهتمامهم بنشر الوعي الديني في دولتهم ، فإنشاء المدارس ودور القرآن والحديث ، دليل واضح على التوعية الدينية ، ولم يحتكر المماليك بناء تلك المراكز الدينية ، بل فتحوا الباب للعلماء والميسورين في إنشاء الأوقاف الخاصة بهم .
5 – سقوط بغداد :
يقول الدكتور سعيد عاشور في كتابه " المجتمع المصري " : ... سقوط بغداد في أيدي المغول سنة 656ه – 1258م ، جعل علماءها يهاجرون الي مصر وغيرها من البلاد الواقعة بين بغداد والقاهرة ، وما تبعه من إحياء الخلافة العباسية في القاهرة على أيدي المماليك سنه 659ه ، مما هيأ لها أن ترث بغداد ، وتصبح مركز النشاط العلمي والديني في العالم الإسلامي ... ، [سعيد عبد الفتاح عاشور ، المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك ،ص157 ] .
وقد عاشت مصر وبلاد الشام عصرها الذهبي في مجالات الدينية والتعليم أيام الحكم المملوكي ، ونشطت الحياة الدينية في المساجد والمدارس والزوايا والربط والخوانق والكتاتيب ، وكانت موضوعات التدريس ( العلوم الدينية ) تتمركز حول العلوم الإسلامية كالقرآن وقرآءاته وتفسيره والحديث والفقة واللغة والأدب والنحو والصرف والسير والتاريخ والتراجم وغير ذلك .
العُلومِ الدّينيَّةُ في عَصْرِ المَماليكِ ( الجزء الثاني )
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة