مدونة أستاذ دكتور منى كامل تركي- استاذ القانون الدولي العام


تفسير تعريف الإبادة الجماعية

أستاذ دكتور منى كامل تركي | Prof. Mona Kamel Tourky


19/10/2020 القراءات: 737  


يرتكز تعريف الإبادة الجماعية على عدة عناصر ومضمونها موضع جدل.
فإن الأعمال التحضيرية للاتّفاقيّات الدولية والقرارات الصادرة عن المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا سمحت بتوضيح البعض منها. إن لم تكن حلت هذه المشاكل وتأتي خصوصية الإبادة مقارنة بالجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية أو جرائم الحرب من السمات التي تتعلّق بالأفعال، وطبيعة المجموعة المستهدفة والقصد من وراء ارتكاب هذه الجريمة.
الدمار البيولوجي الفوري أو اللاحق :لا تقتصر الأعمال على الاغتيال فحسب، بل تشمل أيضًا الأعمال التي قد لا تؤدي إلى الوفاة المباشرة ولكنها تقضي في النهاية على الجماعة. فهي أعمال تمارس عن قصد بهدف الدمار الجزئي أو الكلّي للجماعة. ففي هذا الإطار يجري إخضاع الجماعة إلى ظروف معيشية صعبة تؤدي إلى اختفائها من الوجود بالإضافة إلى أعمال أخرى مثل منع الإنجاب داخل الجماعة ونقل الأطفال وإلحاق الأذى البدني والعقلي (بما في ذلك الاغتصاب).

تدمير الجماعة بصفتها هذه: تستهدف تلك الأعمال المشمولة في التعريف الأفراد دون صفتهم هذه ولكن كأعضاء في جماعة قومية أو عرقية أو إثنية أو دينية. وتدرج الاتفاقية معايير موضوعية وفقًا لها ينتمي الفرد إلى إحدى هذه الجماعات، لكنها ليست معرَّفة بوضوح لا قانونيًا ولا علميًا. ولهذا تعين على المحاكم الجنائية تفسيرها. كما أضافت المحاكم الدولية أنه يمكن عند تعريف الجماعة الأخذ في الاعتبار المعايير والأسباب الشخصية التي تبنّاها الفاعل عند ارتكاب الفعل الإجرام (المحكمة الجنائية لرواندا: قضية كيشيما، 21 أيار/ مايو 1999؛ قضية روزندانا، 21 أيار/ مايو 1999؛ قضية يليسيتش، 5 تموز/ يولية 2001؛ قضية مخيم سوسيكا [المدعي العام ضد نيكوليتش، 4 شباط/ فبراير 2005]).

الدمار الكلّي أو الجزئي: يجب أن تتوفر نيّة التدمير الكلّي أو الجزئي للجماعة عند ارتكاب هذه الأعمال. يُجرى التقييم الكمي للإبادة لتحديد قصد التدمير الكلّي أو الجزئي للجماعة. ويطرح تفسير هذا البند مسألة ما إذا كان اشتراط التدمير ”الكلي أو الجزئي“ يعني فحسب التدمير أم القصد الجنائي. وتتصل هذه المسألة بطبيعة الجماعة. ووفقًا للسوابق القضائية للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين، لا بد من وجود قصد التدمير في ما يخص جزءًا كبيرًا من الجماعة المستهدفة. ويمكن تقديم هذا الجزء بمعايير كمية (نسبة عدد الضحايا بالمقارنة بعدد الجماعة) أو بمعايير نوعية (وضع الضحايا داخل الجماعة) (قضية يليسيتش، المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، 5 تموز/ يولية 2001) كما يجب إجراء التقييم في ما يخص ما حدث لبقية الجماعة (قضية كرستيتش، المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، 19 نيسان/ أبريل 2004). وفي الحقيقة لا تؤدي بعض أعمال الإبادة إلى موت الأفراد الفوري بل ستجعل من المستحيل بقاء المجموعة على قيد الحياة على المدى القصير أو المتوسط.

إثبات القصد الواضح للتدمير: كما ذكر أعلاه، تكمن صعوبة توصيف الإبادة الجماعية في ضرورة إثبات وجود قصد معين وراء تدمير جماعة ما بصفتها هذه وليس كأفراد. إذ يجب أن يكون المجرم قد أراد ليس فقط الفعل الإجرامي ولكن أيضًا النتائج النهائية لهذا الفعل والتي تنصبّ على تدمير كل أو جزء من جماعة محدّدة (المحكمة الجنائية الدولية لرواندا: قضية كامباندا 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2000؛ قضية كيشيما، 21 أيار/ مايو 1999؛ قضية روزندانا 21 أيار/ مايو1999).

وقد أظهرت قرارات المحاكم الجنائية الدولية أن هذا القصد يمكن أن يتضح على مستوى المنفذين أو عبر وجود سياسة لارتكاب أعمال الإبادة الجماعية. ويمكن إثبات وجود هذه السياسة من وجود خطة متفق عليها. كما أن القصد الخاص بإبادة جماعة ما تتمتع بالحماية يمكن أيضًا أن يكون موضع استنتاج في كل حالة من حالات الإبادة عند النظر إلى مواقف السلطات ودرجة وطبيعة الفظائع المرتكبة وطريقة تنظيم الأعمال الإجرامية. ولقد حدّد مستند المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بأركان الجرائم إمكانية استنتاج وجود قصد التدمير والعلم به من الحقائق والظروف المحيطة بالجرم.
ومن المبكر جدًا في أحكام القضاء توضيح الأركان التي تنطوي على قيمة عامة في ما يخص تعريف الجريمة وتلك التي تنطوي على ثقل إجرائي محدود مع التركيز أساسًا على مستوى وأسلوب الإثبات المقبول من جانب قضاة دوليين في حالات معينة.


الإبادة الجماعية-الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية -جرائم الحرب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع