مدونة د.عبد الله كركيش


هل يصح أن نقول: المشروع النبوي أو التجربة النبوية؟

د.عبد الله كركيش. | ABDELLAH KERKECH


31/12/2020 القراءات: 3612  


بسم الله الرحمن الرحيم. هل يصح أن نقول: المشروع النبوي او التجربة النبوية؟ السياق نسمع اليوم الحديث عن المشروع النبوي والتجربة النبوية في التنمية والمواطنة وغيرها من المجالات مما يثير التساؤل التالي: هل يصح أن نصف أو نطلق على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بالتجربة النبوية، أو المشروع النبوي؟ وللإجابة على هذا التساؤل أقول وبالله التوفيق: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وبعد: فإن موضوع تسمية، أو وصف ما جاء به النبي صلى الله عليه وأُمر بتبليغه من أمور الدين، بالمشروع النبوي او التجربة النبوية، أرى أنه فيه تجاوز يقع فيه بعض الباحثين؛ لما فيه من القياس مع الفارق وهو لا يصح كما هو مقرر عند أهل الاختصاص، وذلك للأسباب التالية: أولا: لا بد من التدقيق في المصطلحات من حيث مصدرها، ودلالتها، واستعمالاتها. تعريف مفهوم المشروع: هناك عدة تعاريف لمفهوم "المشروع" تنطلق من مقاربات متباينة، وتعتمد على منطلقات متمايزة، وتتأسس على منظورات فلسفية ومعرفية مختلفة. إن هذا المفهوم خضع لعملية التحويل حيت تمت إعارته من حقل الهندسة المعمارية والمقاولات الصناعية والتجارية والخدماتية إلى المجال التعليمي التربوي. و مفهوم "المشروع" مستمد من كلمة ""projet المحدثة في الثقافة الفرنسية، والتي لم تتبلور دلالتها الاصطلاحية إلا في منتصف القرن العشرين. فالاشتقاق اللغوي لهذه الكلمة في اللغة اللاتينية تؤدي معنى إلقاء أو رمي موضوع أو شيء ما إلى الأمام.(projection من حيث الدلالة اللغوية العربية لكلمة "المشروع" فالمنجد في اللغة والأعلام ذكر ثلاثة معان مختلفة: أ- المشروع: ما سوغه الشرع، من الفعل شرع بمعنى سن شريعة. ب- المشروع: المسدد، من الفعل شرع بمعنى شرعت الرماح، أي سددها وصوبها فتسددت وتصوبت. ت- المشروع: ما بدأت بعمله، من الفعل شرع أيضا [1]منتدى توجيه نت10 مارس 2011 ثانيا: لا يمكن قياس النسبي على المطلق أو العكس. ثالثا: ما هو الوصف الدقيق لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا عدنا إلى مصطلح" التجربة" أو" المشروع" فإن أصلهما ومصدرهما بشري، وكل ما هو بشري فالكمال، والحق فيه نسبيان، ومن ثم لا يمكن قياس ما هو نسبي على ما هو مطلق؛ وذلك لاختلاف المصدرين وهذا فارق لايصح القياس معه، ثم إن استعمالات المصطلح استعمالات بشرية، وفي مجالات دنيوة بالدرجة الأولى، والعمل البشري موسم بالنقص والخلط والغلط ، فإذا قلنا التجربة النبوية، او المشروع النبوي؛ فإننا نسمهما ونصفهما بما لا مفر منه من أوصاف لا تليق بكماله صلى الله عليه وسلم، وكمال دعوته، ثم إن المعلوم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) ورد هذا المعنى في حادثتين: الأولى: حادثة تأبير النخل عند مسلم وأحمد من حديث عائشة وأنس بن مالك رضي الله عنهما، وعند ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها، بألفاظ متقاربة. والحادثة الأخرى: نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الفجر وأداؤهم إياها بعد طلوع الشمس. رواه أحمد من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، ولفظه: (( ... إن كان أمر دنياكم؛ فشأنكم، وإن كان أمر دينكم؛ فإليَّ)) [2]السقاف, علوي بن عبد القادر ،تخريج احاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن،لسيد قطب،دار الهجرة للنشر والتوزيع،1416هـ - 1995م وانطلاقاً من هذا الحديث يمكن القول: بأن مصطلح" المشروع" أو " التجربة" يخصان المجال الدنيوي، حتى وإن قلنا يمكن إطلاقهما على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مجازاً فإن الأمر لا يسلم من مطعن؛ ولذا فإن تجاوزه إلى ما هو متفق عليه بين العلماء في وصف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأسلم. وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سماه الله عز وجل بالإسلام قال تعالى: {ِإنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، وانطلاقا من هذا الاسم الجامع يمكن أن نصفه أولا: من حيث الوصف، فإن الوصف يكتسب من الموصوف سمته وقوته، والموصوف يكتسب كذلك من مصدره اسمه ووصفه، والموصوف هنا هو: دين الله الإسلام. والدعوة النبوية. قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]. ثانيا: معرفة وإدراك مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بينة وواضحة ذكرها القرآن الكريم وهي مهمة " التبليغ عن الله" قال تعالى: {وما على الرسول إلى البلاغ المبين} [النور آية 54] وقال: {ياأيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} المائدة آية67]. وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..} [سورة النحل آية125]. وختاما أقول: إن خير ما يمكن أن نصف به ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو ما اصطلح عليه العلماء قديما وحديثا وسيلت فيه أقلامهم بالتآلف الكثيرة والكبيرة وهو " الدعوة النبوية" الموسومة بالعصمة وأن ما جاء به هو"دين الله الإسلام" فلا يمكن ان نصف ذلك كله بالتجربة أو المشروع؛ لأن هذه المصطلحات حديثة ولها ارتباطات بمجالات أخرى سياسية واقتصادية وغيرها. ولا يمكن أن نصف هذا كله بصفة العصمة التي هي خاصة. هذا وما كان في هذا المقال من صواب فبتوفيق من الله، وما كان فيه من خلل وزلل وانحراف عن الصواب فذلك مني ومن الشيطان واستغفر الله العظيم منه.


المشروع النبوي -التجربة النبوية- الدعوة النبوية-دين الله الإسلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع